0
*1* كتاب البر والصلة والاداب
*2* باب برّ الوالدين، وأنهما أحق به
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ الثّقَفِيّ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَحَقّ النّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمّكَ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمّ أُمّكَ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمّ أُمّكَ" قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمّ أَبُوكَ".
وَفِي حَدِيثِ قُتَيْبَةَ: مَنْ أَحَقّ بِحُسْنِ صِحَابَتِي؟ وَلَمْ يَذْكُرِ النّاسَ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ أَحَقّ بِحُسْنِ الصّحْبَةِ؟ قَالَ "أُمّكَ. ثُمّ أُمّكَ. ثُمّ أُمّكَ. ثُمّ أَبُوكَ. ثُمّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ عُمَارَةَ وَ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ: فَقَالَ: "نَعَمْ: وَأَبِيكَ لَتُنَبّأَنّ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ. ح وَحَدّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ. حَدّثَنَا حَبّانُ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ: مَنْ أَبْرّ؟ وَفِي حَدِيثِ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ: أَيّ النّاسِ أَحَقّ مِنّي بِحُسْنِ الصّحْبَةِ؟ ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطّانَ) عَنْ سُفْيَانَ وَ شُعْبَةَ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَبِيبٌ عَنْ أَبِي الْعَبّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ: "أَحَيّ وَالِدَاكَ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبٍ. سَمِعْتُ أَبَا الْعَبّاسِ. سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَذكَرَ بِمِثْلِهِ.
قَالَ مُسْلِمٌ: أَبُو الْعَبّاس اسْمُهُ السّائِبُ بْنُ فَرّوخَ الْمَكّيّ.
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. أَخْبَرَنَا ابنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي إِسْحَقَ. ح وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيّاءَ. حَدّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِي الْجُعْفِيّ عَنْ زائِدَةَ، كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، جَمِيعاً عَنْ حَبِيبٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنّ نَاعِماً، مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ حَدّثَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَىَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَىَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللّهِ. قَالَ "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيّ؟" قَالَ: نَعَمْ. بَلْ كِلاَهُمَا. قَالَ "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللّهِ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ "فَارْجِعْ إِلَىَ وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا".
قوله: (من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك إلى آخره) الصحابة هنا بفتح الصاد بمعنى الصحبة، وفيه الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب. قال العلماء: وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته وتمريضه وغير ذلك. ونقل الحارث المحاسبي إجماع العلماء على أن الأم تفضل في البر على الأب. وحكى القاضي عياض خلافاً في ذلك فقال الجمهور بتفضيلها، وقال بعضهم: يكون برهما سواء، قال: ونسب بعضهم هذا إلى مالك والصواب الأول لصريح هذه الأحاديث في المعنى المذكور والله أعلم. قال القاضي: وأجمعوا على أن الأم والأب آكد حرمة في البر ممن سواهما، قال: وتردد بعضهم بين الأجداد والأخوة لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أدناك أدناك" قال أصحابنا: يستحب أن تقدم في البر الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الأخوة والأخوات، ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات، ويقدم الأقرب فالأقرب، ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما، ثم بذي الرحم غير المحرم كابن العم وبنته وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم ثم بالمصاهرة ثم بالمولى من أعلى وأسفل ثم الجار، ويقدم القريب البعيد الدار على الجار، وكذا لو كان القريب في بلد آخر قدم على الجار الأجنبي وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم والله أعلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "نعم وأبيك لتنبأن" قد سبق الجواب مرات عن مثل هذا وأنه لا تراد به حقيقة القسم بل هي كلمة تجري على اللسان دعامة للكلام وقيل غير ذلك.
قوله: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: أحي والدك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد) وفي رواية: (أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد. وفيه حجة لما قاله العلماء أنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين أو بإذن المسلم منهما، فلو كانا مشركين لم يشترط إذنهما عند الشافعي ومن وافقه، وشرطه الثوري، هذا كله إذا لم يحضر الصف ويتعين القتال وإلا فحينئذ يجوز بغير إذن. وأجمع العلماء على الأمر ببر الوالدين وأن عقوقهما حرام من الكبائر، وسبق بيانه مبسوطاً في كتاب الإيمان
*2* باب تقديم برّ الوالدين على التطوع بالصلاة، وغيرها
*حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبّدُ فِي صَوْمَعَةٍ. فَجَاءَتْ أُمّهُ.
قَالَ حُمَيْدٌ: فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُمّهُ حِينَ دَعَتْهُ. كَيْفَ جَعَلَتْ كَفّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا. ثُمّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَيْهِ تَدْعُوهُ. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، أَنَا أُمّكَ. كَلّمْنِي. فَصَادَفَتْهُ يُصَلّي. فَقَالَ: اللّهُمّ. أُمّي وَصَلاَتِي. فَاخْتَارَ صَلاَتَهُ. فَرَجَعَتْ ثُمّ عَادَتْ فِي الثّانِيَةِ. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمّكَ. فَكَلّمْنِي. قَالَ: اللّهُمّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَاخْتَارَ صَلاَتَهُ. فَقَالَتِ: اللّهُمّ إِنّ هَذَا جُرَيْجٌ. وَهُوَ ابْنِي. وَإِنّي كَلّمْتُهُ فَأَبَىَ أَنْ يُكَلّمَنِي. اللّهُمّ فَلاَ تُمِتْهُ حَتّىَ تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ.
قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ.
قَالَ: وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَىَ دَيْرِهِ. قَالَ: فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْقَرْيَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا الرّاعِي. فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلاَماً. فَقِيلَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ هَذَا الدّيْرِ. قَالَ فَجَاؤوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ. فَنَادَوْهُ فَصَادَفُوهُ يُصَلّي. فَلَمْ يُكَلّمْهُمْ. قَالَ: فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ. فَلَمّا رَأَىَ ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ. فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ. قَالَ: فَتَبَسّمَ ثُمّ مَسَحَ رَأْسَ الصّبِيّ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِي رَاعِي الضّأْنِ. فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالَوا: نَبْنِي مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرِكَ بِالذّهَبِ وَالْفِضّةِ. قَالَ: لاَ. وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَاباً كَمَا كَانَ. ثُمّ عَلاَهُ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَزِيَدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمْ يَتَكَلّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاّ ثَلاَثَةٌ: عِيسَىَ ابْنُ مَرْيَمَ. وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ. وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً. فَاتّخَذَ صَوْمَعَةً. فَكَانَ فِيهَا. فَأَتَتْهُ أُمّهُ وَهُوَ يُصَلّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَىَ صَلاَتِهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَىَ صَلاَتِهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلّي. فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبّ أُمّي وَصَلاَتِي. فَأَقْبَلَ عَلَىَ صَلاَتِهِ فقَالَتْ: اللّهُمّ لاَ تُمِتْهُ حَتّىَ يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهُ المُومِسَاتِ. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجاً وَعِبَادَتَهُ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيّ يُتَمَثّلُ بِحُسْنِهَا. فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنّهُ لَكُمْ. قَالَ: فَتَعَرّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْها. فَأَتَتْ رَاعِياً كَانَ يَأْوِي إِلَىَ صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا. فَوَقَعَ عَلَيْهَا. فَحَمَلَتْ. فَلَمّا وَلَدَتْ. قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ. فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيّ. فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ: أَيْنَ الصّبِيّ؟ فَجَاؤوا بِهِ فَقَالَ: دَعُونِي حَتّىَ أُصَلّيَ. فَصَلّىَ. فَلَمّا انْصَرَفَ أَتَىَ الصّبِيّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ. وَقَالَ: يَا غُلاَمُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ الرّاعِي. قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَىَ جُرَيْجٍ يُقَبّلُونَهُ وَيَتَمَسّحُونَ بِهِ. وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لاَ. أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا.
فيه قصة جُريج رضي الله عنه وأنه آثر الصلاة على إجابتها فدعت عليه فاستجاب الله لها. قال العلماء: هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته فلعله خشي أنها تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه. قولها: (فلا تمته حتى تريه المومسات) هي بضم الميم الأولى وكسر الثانية أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك والواحدة مومسة وتجمع على مياميس أيضاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره" الدير كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم، وهو بمعنى الصومعة المذكورة في الرواية الأخرى وهي نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "فجاؤوا بفؤوسهم" هو مهموز ممدود جمع فأس بالهمزة وهي هذه المعروفة كرأس ورؤوس، والمساحي جمع مسحاة وهي كالمجرفة إلا أنها من حديث ذكره الجوهري. قوله صلى الله عليه وسلم: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة" فذكرهم وليس فيهم الصبي الذي كان مع المرأة في حديث الساحر والراهب، وقصة أصحاب الأخدود المذكور في آخر صحيح مسلم وجوابه أن ذلك الصبي لم يكن في المهد بل كان أكبر من صاحب المهد وإن كان صغيراً. قوله: (بغي يتمثل بحسنها) أي يضرب به المثل لإنفرادها به. قوله: (يا غلام من أبوك قال فلان الراعي) قد يقال إن الزاني لا يلحقه الولد، وجوابه من وجهين: أحدهما لعله كان في شرعهم يلحقه. والثاني المراد من ماء من أنت وسماه أباً مجازاً. قوله صلى الله عليه وسلم: "مر رجل على دابة فارهة وشارة حسنة" الفارهة بالفاء النشيطة الحادة القوية وقد فرهت بضم الراء فراهة وفراهية، والشارة الهيئة واللباس. قوله: "فجعل يمصها" بفتح الميم على اللغة المشهورة وحكي ضمها. قوله صلى الله عليه وسلم: "فهناك تراجعا الحديث فقالت حلقي" معنى تراجعا الحديث أقبلت على الرضيع تحدثه وكانت أولاً لا تراه أهلاً للكلام فلما تكرر منه الكلام علمت أنه أهل له فسألته وراجعته، وسبق بيان حلقي في كتاب الحج. قوله في الجارية التي نسبوها إلى السرقة ولم تسرق: (اللهم اجعلني مثلها) أي اللهم اجعلني سالماً من المعاصي كما هي سالمة، وليس المراد مثلها في النسبة إلى باطل تكون منه برياً. وفي حديث جريج هذا فوائد كثيرة: منها عظم بر الوالدين وتأكد حق الأم وأن دعاءها مجاب وأنه إذا تعارضت الأمور بدئ بأهمها وأن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالباً، قال الله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادة في أحوالهم وتهذيباً لهم فيكون لطفاً. ومنها استحباب الوضوء للصلاة عند الدعاء بالمهمات. ومنها أن الوضوء كان معروفاً في شرع من قبلنا فقد ثبت في هذا الحديث في كتاب البخاري فتوضأ وصلى. وقد حكى القاضي عن بعضهم أنه زعم اختصاصه بهذه الأمة. ومنها إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة، وفيه أن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم وهذا هو الصحيح عند أصحابنا المتكلمين، ومنهم من قال لا تقع باختيارهم وطلبهم. وفيه أن الكرامات قد تكون بخوارق العادات على جميع أنواعها ومنعه بعضهم وادعى أنها تختص بمثل إجابة دعاء ونحوه وهذا غلط من قائله وإنكار للحس بل الصواب جريانها بقلب الأعيان وإحضار الشيء من العدم ونحوه
*2* باب رغم من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر، فلم يدخل الجنة
*حدّثنا شيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "رَغِمَ أَنْفُ، ثُمّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ "مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنّةَ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمّ رَغِمَ أَنْفُهُ. ثُمّ رَغِمَ أَنْفُهُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنّةَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا خالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. حَدّثَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "رَغِمَ أَنْفُهُ" ثَلاَثاً. ثُمّ ذَكَرَ مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" قال أهل اللغة: معناه ذل، وقيل كره وخزي وهو بفتح الغين وكسرها وهو الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها وأصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل، وقيل الرغم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه، وفيه الحث على بر الوالدين وعظم ثوابه ومعناه أن برهما عند كبرهما وضعفهما بالخدمة أو النفقة أو غير ذلك سبب لدخول الجنة فمن قصر في ذلك فاته دخول الجنة وأرغم الله أنفه
*2* باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم، ونحوهما
*حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيّوبَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكّةَ. فَسَلّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ. وَحَمَلَهُ عَلَىَ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ. وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَىَ رَأْسِهِ. فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللّهُ إِنّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ: إِنّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ. وَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ أَبَرّ الْبِرّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدّ أَبِيهِ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَبَرّ الْبِرّ أَنْ يَصِلَ الرّجُلُ وِدّ أَبِيهِ".
حدّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي وَ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. جَمِيعاً عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَىَ مَكّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلّ رُكُوبَ الرّاحِلَةِ. وَعِمَامَةٌ يَشُدّ بِهَا رَأْسَهُ. فَبَيْنَا هُوَ يَوْماً عَلَىَ ذَلِكَ الْحِمَارِ. إِذْ مَرّ بِهِ أَعْرَابِيّ. فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ؟ قَالَ: بَلَىَ. فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا. وَالْعِمَامَةَ، قَالَ: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللّهُ لَكَأَعْطَيْتَ هَذَا الأَعْرَابِيّ حِمَاراً كُنْتَ تَرَوّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدّ بِهَا رَأْسَكَ فَقَالَ: إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ مِنْ أَبَرّ الْبِرّ صِلَةَ الْرّجُلِ أَهْلَ وُدّ أَبِيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلّيَ" وَإِنّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقاً لِعُمَرَ.
قوله: (إن أبا هذا كان وداً لعمر) قال القاضي: رويناه بضم الواو وكسرها أي صديقاً من أهل مودته وهي محبته. قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه" وفي رواية: "إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن تولى" الود هنا مضموم الواو، وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة، وقد سبقت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله عنها. قوله: (كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة) معناه كان يستصحب حماراً ليستريح عليه إذا ضجر من ركوب البعير والله أعلم
*2* باب تفسير البرّ والإِثم
*حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا ابْنُ مَهْدِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النّوّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيّ. قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ: "الْبِرّ حُسْنُ الْخُلْقِ. وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النّاسُ".
حدّثني هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي مُعَاوِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ) عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَوّاسِ بْنِ سِمْعَانَ. قَالَ: أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ سَنَةً. مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إِلاّ الْمَسْأَلَةُ. كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ. قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْبِرّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْبِرّ حُسْنُ الْخُلْقِ. وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النّاسُ".
قوله: (عن النواس بن سمعان الأنصاري) هكذا وقع في نسخ صحيح مسلم الأنصاري، قال أبو علي الجياني: هذا وهم وصوابه الكلاني فإن النواس كلابي مشهور، قال المازري والقاضي عياض: المشهور أنه كلابي ولعله حليف للأنصار، قالا: وهو النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي كلاب، كذا نسبه العلائي عن يحيى بن معين، وسمعان بفتح السين وكسرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" قال العلماء: البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق، ومعنى حاك في صدرك أي تحرك فيه وتردد ولم ينشرح له الصدر وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنباً. قوله: (ما منعني من الهجرة إلا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء وقال القاضي وغيره: معناه أنه أقام بالمدينة كالزائر من غير نقله إليها من وطنه لاستيطانها، وما منعه من الهجرة وهي الإنتقال من الوطن واستيطان المدينة إلا الرغبة في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور الدين فإنه كان سمح بذلك للطارئين دون المهاجرين، وكان المهاجرون يفرحون بسؤال الغرباء الطارئين من الأعراب وغيرهم لأنهم يحتملون في السؤال ويعذرون ويستفيد المهاجرون الجواب كما قال أنس في الحديث الذي ذكره مسلم في كتاب الإيمان: وكان عجباً أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله والله أعلم
*2* باب صلة الرحم، وتحريم قطيعتها
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الثّقَفِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عُبّادٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) عَنْ مُعَاوِيَةَ (وَهُوَ ابْنُ أَبِي مُزَرّدٍ، مَوْلَىَ بَنِي هَاشِمٍ). حَدّثَنِي عَمّي، أَبُو الْحُبَابِ، سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ. حَتّىَ إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ. أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَىَ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ".
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمّهُمْ وَأَعْمَىَ أَبْصَارَهُمْ. أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}" (محمد الاَيات: ).
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ (وَاللّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ). قَالاَ حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الرّحِمُ مُعَلّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللّهُ. وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللّهُ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِي، عَنْ مُحَمّدُ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ قَاطِعٌ".
قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ:قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.
حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضّبَعِيّ. حَدّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزّهْرِيّ أَنّ مُحَمّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ".
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
وحدّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللّيْثِ. حَدّثَنِي أَبِي عَنْ جَدّي. حَدّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلاَءَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ يُحَدّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّ لِي قَرَابَةً. أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي. وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيّ. وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيّ. فَقَالَ "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنّمَا تُسِفّهُمُ الْمَلّ. وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَىَ ذَلِكَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة؟ قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك".
وفي الرواية الأخرى: "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله" قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني ليست بحسم وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الإتصال رحماً، والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام، فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك، والمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصليها وعظيم إثم قاطعيها بعقوقهم، لهذا سمى العقوق قطعاً والعق الشق كأنه قطع ذلك السبب المتصل، قال: ويجوز أن يكون المراد قام ملك من الملائكة وتعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله تعالى، هذا كلام القاضي، والعائذ المستعيذ وهو المعتصم بالشيء الملتجئ إليه المستجير به، قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أوصلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته. قال القاضي عياض: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة، قال: والأحاديث في الباب تشهد لهذا، ولكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، لو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلاً، قال: واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكراً والاَخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أدناك أدناك". هذا كلام القاضي، وهذا القول الثاني هو الصواب، ومما يدل عليه الحديث السابق في أهل مصر فإن لهم ذمة ورحماً وحديث: إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه مع أنه لا محرمية والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قاطع" هذا الحديث يتأول تأويلين سبقا في نظائره في كتاب الإيمان: أحدهما حمله على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار ولا يدخل الجنة أبداً. والثاني معناه ولا يدخلها في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" ينسأ مهموز أي يؤخر والأثر الأجل لأنه تابع للحياة في أثرها، وبسط الرزق وتوسيعه وكثرته وقيل البركة فيه. وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الاَجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الاَخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك. والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت فيه} النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره ولا زيادة بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث. والثالث أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم للذي يصل قرابته ويقطعونه: "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله تعالى ظهير عليهم ما دمت على ذلك" المل بفتح الميم الرماد الحار، وتسفهم بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء والظهير المعين والدافع لأذاهم، وقوله أحلم عنهم بضم اللام ويجهلون أي يسيئون والجهل هنا القبيح من القول ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه، وقيل معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل، وقيل ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم والله أعلم
*2* باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر
*حدّثني يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا. وَكُونُوا. عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً. وَلاَ يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ".
حدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزّبَيْدِيّ عَنِ الزّهْرِيّ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ح وَحَدّثَنِيهِ حَرْمَلَةُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ.
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ "وَلاَ تَقَاطَعُوا".
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. جَمِيعاً عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
أما رِوَايَةُ يَزِيدَ عَنْهُ فَكَرِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنِ الزّهْرِيّ. يَذْكُرُ الْخِصَالَ الأَرْبَعَةَ جَمِيعاً. وَأَمّا حَدِيثُ عَبْدِ الرّزّاقِ "وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا".
وحدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَس أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَقَاطَعُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
حَدّثَنِيهِ عَلِيّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَزَادَ "كَمَا أَمَرَكُمُ اللّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً" التدابر المعاداة وقيل المقاطعة لأن كل واحد يولي صاحبه دبره، والحسد تمني زوال النعمة وهو حرام، ومعنى كونوا عباد الله إخواناً أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال. قال بعض العلماء: وفي النهي عن التباغض إشارة إلى النهي عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض. قوله: (حدثنيه علي بن نصر الجهضمي حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا علي بن نصر، وكذا نقله الجياني والقاضي عياض وغيرهما عن الحفاظ وعن عامة النسخ، وفي بعضها نصر بن علي بالعكس قالوا وهو غلط قالوا والصواب علي بن نصر وهو أبو الحسن علي بن نصر بن علي بن نصر الجهضمي توفي بالبصرة هو وأبوه نصر بن علي سنة خمسين ومائتين، مات الأب في شهر ربيع الاَخر ومات الابن في شعبان تلك السنة. قال القاضي: قد اتفق الحفاظ على ما ذكرناه وأن الصواب علي بن نصر دون عكسه، مع أن مسلماً روى عنهما إلا أن لا يكون لنصر بن علي سماع من وهب بن جرير وليس هذا مذهب مسلم فإنه يكتفي بالمعاصرة وإمكان اللقاء، قال: ففي نفيهم لرواية النسخ التي فيها نصر بن علي نظر هذا كلام القاضي، والذي قاله الحفاظ هو الصواب وهم أعرف بما انتقدوه، ولا يلزم من سماع الابن من وهب سماع الأب منه، ولا يقال يمكن الجمع، فكتاب مسلم وقع على وجه واحد فالذي نقله الأكثرون هو المعتمد لا سيما وقد صوبه الحفاظ
*2* باب تحريم الهجر فوق ثلاث، بلا عذر شرعي
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللّيْثِيّ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ. يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا. وَخَيْرُهُمَا الّذِي يَبْدَأُ بِالسّلاَمِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ ح وَحَدّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ ح وَحَدّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزّبَيْدِيّ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. كُلّهُمْ عَنْ الزّهْرِيّ. بِإِسْنَادِ مَالِكٍ، وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. إِلاّ قَوْلَهُ "فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا" فَإِنّهُمْ جَمِيعاً قَالُوا فِي حَدِيثِهِمْ، غَيْرَ مَالِكٍ "فَيَصُدّ هَذَا وَيَصُدّ هَذَا".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضّحّاكُ (وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَحِلّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنِ العَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلاَثٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال" قال العلماء: في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث والثاني بمفهومه، قالوا: وإنما عفى عنها في الثلاث لأن الاَدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك، فعفي عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض، وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب. قوله صلى الله عليه وسلم: "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا" وفي رواية: "فيصد هذا ويصد هذا" هو بضم الصاد ومعنى يصد يعرض أي يوليه عرضه بضم العين وهو جانبه والصد بضم الصاد وهو أيضاً الجانب والناحية. قوله صلى الله عليه وسلم: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" أي هو أفضلهما وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله. وقال أحمد وابن القاسم والمالكي: إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته، قال أصحابنا: ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة؟ وفيه وجهان: أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه وأصحهما يزول لزوال الوحشة والله أعلم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم" قد يحتج به من يقول الكفار غير مخاطبين بفروع الشرع والأصح أنهم مخاطبون بها وإنما قيد بالمسلم لأنه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به
*2* باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش، ونحوها
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيّاكُمْ وَالظّنّ. فَإِنّ الظّنّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ تَحَسّسُوا، وَلاَ تَجَسّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَهاجِرُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَحَسّسُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَجَسّسُوا، وَلاَ تَحَسّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
حدّثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَ الْحُلْوَانِيّ وَ عَلِيّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيّ.قَالاَ: حَدّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعَمشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ "لاَ تَقَاطَعُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا إِخْوَاناً. كَمَا أَمَرَكُمُ اللّهُ".
وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا حَبّانُ حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" المراد النهي عن ظن السوء، قال الخطابي: هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك، ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به كما سبق في حديث تجاوز الله تعالى عما تحدثت به الأمة ما لم تتكلم أو تعمد، وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقر. ونقل القاضي عن سفيان أنه قال: الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم لم يأثم. قال: وقال بعضهم يحتمل أن المراد الحكم في الشرع بظن مجرد من غير بناء على أصل ولا نظر واستدلال وهذا ضعيف أو باطل والصواب الأول. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تحسسوا ولا تجسسوا" الأول بالحاء والثاني بالجيم، قال بعض العلماء: التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم، وبالجيم البحث عن العورات، وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر والجاسوس صاحب سر الشر والناموس صاحب سر الخير، وقيل بالجيم أن تطلبه لغيرك وبالحاء أن تطلبه لنفسك قاله ثعلب وقيل هما بمعنى وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال. قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تنافسوا ولا تحاسدوا" قد قدمنا أن الحسد تمني زوال النعمة، وأما المنافسة والتنافس فمعناهما الرغبة في الشيء وفي الإنفراد به ونافسته منافسة إذا رغبت فيما رغب فيه، وقيل معنى الحديث التباري في الرغبة في الدنيا وأسبابها وحظوظها. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تهجروا" كذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها تهاجروا وهما بمعنى، والمراد النهي عن الهجرة ومقاطعة الكلام، وقيل يجوز أن يكون لا تهجروا أي تتكلموا بالهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح، وأما النهي عن البيع على بيع أخيه والنجش فسبق بيانهما في كتاب البيوع، وقال القاضي: يحتمل أن المراد بالتناجش هنا ذم بعضهم بعضاً، والصحيح أنه التناجش المذكور في البيع وهو أن يزيد في السلعة ولا رغبة له في شرائها بل ليغر غيره في شرائها
*2* باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا دَاوُدُ (يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَىَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَىَ بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. التّقْوَىَ هَهُنَا". وَيُشِيرُ إِلَىَ صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشّرّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِم. كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَىَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ. دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ) أَنّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ، مَوْلَىَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ دَاوُدَ. وَزَادَ. وَنَقَصَ. وَمِمّا زَادَ فِيهِ "إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمُ وَلاَ إِلَىَ صُوَرِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ" وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَىَ صَدْرِهِ.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ يَزِيدَ ابْنِ الأَصَمّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَىَ صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ. وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَىَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".
قوله: (عامر بن كريز) بضم الكاف. قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره" أما كون المسلم أخا المسلم فسبق شرحه قريباً، وأما لا يخذله فقال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصر ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي، ولا يحقره هو بالقاف والحاء المهملة أي لا يحتقره فلا ينكر عليه ولا يستصغره ويستقله، قال القاضي: ورواه بعضهم لا يخفره بضم الياء والخاء المعجمة والفاء أي لا يغدر بعهده ولا ينقض أمانه، قال: والصواب المعروف هو الأول وهو الموجود في غير كتاب مسلم بغير خلاف وروي لا يحتقره وهذا يرد الرواية الثانية. قوله صلى الله عليه وسلم: "التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات" وفي رواية: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم" معنى الرواية الأولى أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته، ومعنى نظر الله هنا مجازاته ومحاسبته أي إنما يكون ذلك على ما في القلب دون الصور الظاهرة، ونظر الله رؤيته محيط بكل شيء، ومقصود الحديث أن الإعتبار في هذا كله بالقلب وهو من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن في الجسد مضغة" الحديث، قال المازري: واحتج بعض الناس بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس، وقد سبقت المسألة مبسوطة في حديث: (ألا إن في الجسد مضغة). قوله: (جعفر بن برقان) هو بضم الموحدة وإسكان الراء
*2* باب النهي عن الشحناء والتهاجر
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ سُهَيْل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنّةِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. فَيُغْفَرُ لِكُلّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللّهِ شَيْئاً. إِلاّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: أَنْظُرُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا. أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا".
حَدّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، بإِسْنَادِ مَالِكٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ الدّرَاوَرْدِيّ "إِلاّ الْمُتَهَاجِرَيْنِ" مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدَةَ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ "إِلاّ الْمُهْتَجِرَيْنِ".
حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَم، عَنْ أَبِي صَالِحٍ. سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَرّةً قَالَ: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ. فَيَغْفِرُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكّلّ امْرِيءٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللّهِ شَيْئاً. إِلاّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا. ارْكُوا هَذَيْنِ حَتّىَ يَصْطَلِحَا".
حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ وَ عَمْرُو بْنُ سَوّادٍ. قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُسْلِم بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تُعْرَضُ أَعْمَالُ النّاسِ فِي كُلّ جُمُعَةٍ مَرّتَيْنِ. يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ. فَيُغْفَرُ لِكُلّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ. إِلاّ عَبْداً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيُقَالُ: اتْرُكُوا، أَوِ ارْكُوا، هَذَيْنِ حَتّىَ يَفِيئَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس" الحديث، قال القاضي: قال الباجيمعنى فتحها كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل، قال القاضي: ويحتمل أن يكون على ظاهره وأن فتح أبوابها علامة لذلك. قوله صلى الله عليه وسلم: "أركوا هذين حتى يصطلحا" هو بالراء الساكنة وضم الكاف والهمزة في أوله همزة وصل أي أخروا يقال ركاه يركوه ركوا إذا أخره، قال صاحب التحرير: ويجوز أن يرويه بقطع الهمزة المفتوحة من قولهم: أركيت الأمر إذا أخرته، وذكر غيره أنه روي بقطعها ووصلها، والشحناء العداوة كأنه شحن بغضاً له لملائه، وأنظروا هذين بقطع الهمزة أخروهما حتى يفيئا أي يرجعا إلى الصلح والمودة
*2* باب في فضل الحب في اللّه
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ، سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابّونَ بِجَلاَلِي. الْيَوْمَ أُظِلّهُمْ فِي ظِلّي. يَوْمَ لاَ ظِلّ إِلاّ ظِلّي".
حدّثني عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم "أَنّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَىَ. فَأَرْصَدَ اللّهُ لَهُ، عَلَىَ مَدْرَجَتِهِ، مَلَكاً. فَلَمّا أَتَىَ عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخاً لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبّهَا؟ قَالَ: لاَ. غَيْرَ أَنّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللّهِ عَزّ وَجَلّ. قَالَ: فَإِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكَ، بِأَنّ اللّهَ قَدْ أَحَبّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ".
قَالَ الشّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ، مُحَمّدُ بْنُ زَنْجُويَةَ الْقُشَيْرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمّادٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" فيه دليل لجواز قول الإنسان الله يقول وهو الصواب الذي عليه العلماء كافة إلا ما قدمناه في كتاب الإيمان عن بعض السلف من كراهة ذلك وأنه لا يقال: يقول الله بل يقال قال الله، وقدمنا أنه جاء بجوازه القرآن في قوله تعالى: {والله يقول الحق} وأحاديث صحيحة كثيرة، قوله تعالى المتحابون بجلالي أي بعظمتي وطاعتي لا للدنيا. وقوله تعالى: {يوم لا ظل إلا ظلي} أي أنه لا يكون من له ظل مجازاً كما في الدنيا، وجاء في غير مسلم: ظل عرشي، قال القاضي: ظاهره أنه في ظله من الحر والشمس ووهج الموقف وأنفاس الخلق، قال: وهذا قول الأكثرين، وقال عيسى بن دينار: معناه كفه من المكاره وإكرامه وجعله في كنفه وستره، ومنه قولهم: السلطان ظل الله في الأرض، وقيل: يحتمل أن الظل هنا عبارة عن الراحة والنعيم، يقال: هو في عيش ظليل أي طيب.
قوله صلى الله عليه وسلم "فأرصد الله على مدرجته ملكاً" معنى أرصده أقعده يرقبه، والمدرجة بفتح الميم والراء هي الطريق سميت بذلك لأن الناس يدرجون عليها أي يمضون ويمشون. قوله: (لك عليه من نعمة تربها) أي تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك. قوله: (بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) قال العلماء: محبة الله عبده هي رحمته له ورضاه عنه وإرادته له الخير وأن يفعل به فعل المحب من الخير، وأصل المحبة في حق العباد ميل القلب والله تعالى منزه عن ذلك. في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى وأنها سبب لحب الله تعالى العبد، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب، وفيه أن الاَدميين قد يرون الملائكة
*2* باب فضل عيادة المريض
*حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ الزّهْرَانِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِيَانِ ابْنَ زَيْدٍ) عَنْ أَيّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ (قَالَ أَبُو الرّبِيعِ: رَفَعَهُ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم) وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي مَخْرَفَةِ الْجَنّةِ حَتّىَ يَرْجِعَ".
حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَادَ مَرِيضاً، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنّةِ حَتّىَ يَرْجِعَ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرّحَبِيّ، عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنّةِ حَتّىَ يَرْجِعَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنْ يَزِيدَ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ) حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ (وَهُوَ أَبُو قِلاَبَةَ)، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرّحْبِيّ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ عَادَ مَرِيضاً، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنّةِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنّةِ؟ قَالَ "جَنَاهَا".
حدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَقُولُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ. أَمَا عَلِمْتَ أَنّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبّ الْعَالَمِينَ. قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ. أَمَا إِنّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي".
قوله صلى الله عليه وسلم: "عائد المريض في مخرفة الجنة" وفي الرواية الثانية: ("خرفة الجنة" بضم الخاء قيل: يا رسول الله ما خرفة الجنة؟ قال جناها) أي يؤول به ذلك إلى الجنة واجتناء ثمارها، واتفق العلماء على فضل عيادة المريض وسبق شرح ذلك واضحاً في بابه. قوله في أسانيد هذا الحديث: (عن أبي قلابة عن أبي أسماء) وفي الرواية الأخرى: (عن أبي قلابة عن الأشعث عن أبي أسماء) قال الترمذي: سألت البخاري عن إسناد هذا الحديث فقال أحاديث أبي قلابة كلها عن أبي أسماء ليس بينهما أبو الأشعث إلا هذا الحديث.
قوله عز وجل: (مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده) قال العلماء: إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى، والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له، قالوا: ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي، ويدل عليه قوله تعالى في تمام الحديث: (لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو أسقيته لوجدت ذلك عندي) أي ثوابه والله أعلم
*2* باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها
*حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ مَا رَأَيْتَ رَجُلاً أَشَدّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ مَكَانَ الْوَجَعُ وَجَعاً.
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ أَخْبَرَنِي أَبِي. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيَ. ح وَحَدّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ. كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ، مِثْلَ حَدِيثِهِ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويْدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ. قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ. فَمَسِسْتُهُ بِيَدِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّكَ لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَجَلْ. إِنّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ" قَالَ: فَقُلْتُ: ذَلِكَ، أَنّ لَكَ أَجْرَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَجَلْ" ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَىً مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إِلاّ حَطّ اللّهُ بِهِ سَيّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطّ الشّجَرَةُ وَرَقَهَا".
وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: فَمَسَسْتُهُ بِيَدِي.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيّةَ. كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ: "نَعَمْ. وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلَىَ الأَرْضِ مُسْلِمٌ".
حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعاً عَنْ جَرِيرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىَ عَائِشَةَ، وَهِيَ بِمِنًى. وَهُمْ يَضْحَكُونَ. فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ قَالُوا: فُلاَنٌ خَرّ عَلَىَ طُنُبِ فُسْطَاطٍ، فَكَادَتْ عُنُقُهُ أَوْ عَيْنُهُ أَنْ تَذْهَبَ. فَقَالَتْ: لاَ تَضْحَكُوا. فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إِلاّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ".
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. (وَاللّفْظُ لَهُمَا). ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ الْحَنْظَلِيّ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاّ رَفَعَهُ اللّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاّ قَصّ اللّهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلاّ كُفّرَ بِهَا عَنْهُ، حَتّىَ الشّوْكَةِ يُشَاكُهَا".حدّثنا أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ يَزيِدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ، حَتّىَ الشّوْكَةِ، إِلاّ قُصّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ، أَوْ كُفّرَ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ".
لاَ يَدْرِي يَزِيدُ أَيّتُهُمَا قَالَ: عُرْوَةُ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ. حَدّثَنَا ابْنُ الْهَادِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ، حَتّىَ الشّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلاّ كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ حُطّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلَيِدِ ابْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلاَ نَصَبٍ، وَلاَ سَقَمٍ، وَلاَ حَزَنٍ، حَتّىَ الْهَمّ يُهَمّهُ إِلاّ كُفّرَ بِهِ مِنْ سَيّئَاتِهِ".
حدّثنا قُتَيْيَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. كِلاَهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ(وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ) حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، شيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، سَمِعَ مُحَمّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (4 النساء 1). بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغاً شَدِيداً. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَارِبُوا وَسَدّدُوا. فَفِي كُلّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفّارَةٌ. حَتّىَ النّكْبَةِ يُنْكَبُهَا. وَالشّوْكَةِ يُشَاكُهَا".
حدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ. حَدّثَنَا الْحَجّاجُ الصّوّافُ. حَدّثَنِي أَبُو الزّبَيْرِ. حَدّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَىَ أُمّ السّائِبِ، أَوْ أُمّ الْمُسَيّبِ. فَقَالَ: "مَا لَكِ؟ يَا أُمّ السّائِبِ أَوْ يَا أُمّ الْمُسَيّبِ تُزَفْزِفِينَ؟" قَالَتِ: الْحُمّىَ. لاَ بَارَكَ اللّهَ فِيهَا. فَقَالَ "لاَ تَسُبّي الْحُمّىَ. فَإِنّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ. كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا يَحَيَى بْنُ سَعِيدٍ وَ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضّلِ. قَالاَ: حَدّثَنَا عِمْرَانُ، أَبُو بَكُرٍ. حَدّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ؟ قُلْتُ: بَلَىَ. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السّوْدَاءُ. أَتَتِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إِنّي أُصْرَعُ. وَإِنّي أَتَكَشّفُ. فَادْعُ اللّهَ لِي. قَالَ "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنّةُ. وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ". قَالَتْ: أَصْبِرُ. قَالَتْ: فَإِنّي أَتَكَشّفُ. فَادْعُ اللّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشّفَ، فَدَعَا لَهَا.
قولها: (ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء الوجع هنا المرض والعرب تسمي كل مرض وجعاً.
قوله: (إنك لتوعك وعكاً شديداً) الوعك بإسكان العين قيل هو الحمى وقيل ألمها ومغثها، وقد وعك الرجل يوعك فهو موعوك. قوله: (يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية) هو بالغين المعجمة والنون.
قوله: (إن عائشة رضي الله عنها قالت للذين ضحكوا ممن عثر بطنب فسطاط لا تضحكوا) فيه النهي عن الضحك من مثل هذا إلا أن يحصل غلبة لا يمكن دفعه، وأما تعمده فمذموم لأن فيه إشماتاً بالمسلم وكسراً لقلبه، والطنب بضم النون وإسكانها هو الحبل الذي يشد به الفسطاط وهو الخباء ونحوه، ويقال فستاط بالتاء بدل الطاء، وفساط بحذفها مع تشديد السين والفاء مضمومة ومكسورة فيهن فصارت ست لغات. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له درجة ومحيت عنه بها خطيئة" وفي رواية: "إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة" وفي بعض النسخ: "وحط عنه بها" وفي رواية: "إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة". في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام ومصايب الدنيا وهمومها وإن قلت مشقتها، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور وزيادة الحسنات وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء، وحكى القاضي عن بعضهم أنها تكفر الخطايا فقط ولا ترفع درجة ولا تكتب حسنة، قال: وروي نحوه عن ابن مسعود قال: الوجع لا يكتب به أجر لكن تكفر به الخطايا فقط، واعتمد على الأحاديث التي فيها تكفير الخطايا ولم تبلغه الأحاديث التي ذكرها مسلم المصرحة برفع الدرجات وكتب الحسنات، قال العلماء: والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل أنهم مخصوصون بكمال الصبر وصحة الإحتساب ومعرفة أن ذلك نعمة من الله تعالى ليتم لهم الخير ويضاعف لهم الأجر ويظهر صبرهم ورضاهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا قص الله بها من خطيئته" هكذا هو في معظم النسخ قص وفي بعضها نقص وكلاهما صحيح متقارب المعنى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته" الوصب الوجع اللازم ومنه قوله تعالى: {ولهم عذاب واصب} أي لازم ثابت، والنصب التعب وقد نصب ينصب نصباً كفرح يفرح فرحاً ونصبه غيره وأنصبه لغتان، والسقم بضم السين وإسكان القاف وفتحهما لغتان، وكذلك الحزن والحزن فيه اللغتان ويهمه قال القاضي: هو بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله، وضبطه غيره يهمه بفتح الياء وضم الهاء أي يغمه وكلاهما صحيح.
قوله: (عن ابن محيصن شيخ من قريش قال مسلم هو عمر بن عبد الرحمن بن محيصن) وهكذا هو في معظم نسخ بلادنا أن مسلماً قال هو عمر بن عبد الرحمن وفي بعضها هو عبد الرحمن، وكذا نقله القاضي عن بعد الرواة وهو غلط والصواب الأول، وميحصن بالنون في آخره، ووقع في بعض نسخ المغاربة بحذفها وهو تصحيف. قوله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا" أي اقتصدوا فلا تغلوا ولا تقصروا بل توسطوا. "وسددوا" أي اقصدوا السداد وهو الصواب. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى النكبة ينكبها" وهي مثل العثرة يعثرها برجله وربما جرحت أصبعه وأصل النكب الكب والقلب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا أم السائب تزفزفين" بزاءين معجمتين وفاءين والتاء مضمومة، قال القاضي: تضم وتفتح هذا هو الصحيح المشهور في ضبط هذه اللفظة، وادعى القاضي أنها رواية جميع رواة مسلم، ووقع في بعض نسخ بلادنا بالراء والفاء، ورواه بعضهم في غير مسلم بالراء والقاف معناه تتحركين حركة شديدة أي ترعدين، وفي حديث المرأة التي كانت تصرع دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب
*2* باب تحريم الظلم
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدّارِمِيّ. حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ الدّمَشْقِيّ). حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيّ، عَنْ أَبِي ذَرَ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فِيمَا رَوَىَ عَنِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَنّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إِنّي حَرّمْتُ الظّلْمَ عَلَىَ نَفْسِي. وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرّماً. فَلاَ تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي كُلّكُمْ ضَالّ إِلاّ مَنْ هَدَيْتُهُ. فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي كُلّكُمْ جَائِعٌ إِلاّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ. فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي كُلّكُمْ عَارٍ إِلاّ مَنْ كَسَوْتُهُ. فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي إِنّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً. فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرُ لَكُمْ. يَا عِبَادِي إِنّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرّي فَتَضُرّونِي. وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي لَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنّكُمْ. كَانُوا عَلَىَ أَتْقَىَ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ. مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي لَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ. وَإِنْسَكُمْ وَجِنّكُمْ. كَانُوا عَلَىَ أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً. يَا عِبَادِي لَوْ أَنّ أَوّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ. وَإِنْسَكُمْ وَجِنّكُمْ. قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي. فَأَعْطَيْتُ كُلّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ. مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمّا عِنْدِي إِلاّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي إِنّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ. ثُمّ أُوَفّيكُمْ إِيّاهَا. فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللّهَ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنّ إِلاّ نَفْسَهُ".
قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيّ، إِذَا حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، جَثَا عَلَىَ رُكْبَتَيْهِ.
حَدّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ. حَدّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ. حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ مَرْوَانَ أَتَمّهُمَا حَدِيثاً.
م 2 قَالَ أَبُو إِسْحَقَ: حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ، ابْنَا بِشْرٍ، وَ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَىَ. قَالُوا: حَدّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ. فَذَكَرُوا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الصّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ أَبِي ذَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: "إِنّي حَرّمْتُ عَلَىَ نَفْسِي الظّلْمَ وَعَلَىَ عِبَادِي. فَلاَ تَظَالَمُوا". وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ. وَحَدِيثُ أَبِي إِدْرِيسَ الّذِي ذَكَرْنَاهُ أَتَمّ مِنْ هَذَا.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا دَاوُدُ (يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ) عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اتّقُوا الظّلْمَ. فَإِنّ الظّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَاتّقُوا الشّحّ. فَإِنّ الشّحّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. حَمَلَهُمْ عَلَىَ أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلّوا مَحَارِمَهُمْ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا شَبَابَةُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهَ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الظّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ. مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللّهُ فِي حَاجَتِهِ. وَمَنْ فَرّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرّجَ اللّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمّتِي، يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا. فَيُعْطَىَ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىَ مَا عَلَيْهِ. أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. ثُمّ طُرِحَ فِي النّارِ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَتُؤَدّنَ الْحُقُوقُ إِلَىَ أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَتّىَ يُقَادَ لِلشّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشّاةِ الْقَرْنَاءِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يُمْلِي لِلظّالِمِ. فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ". ثُمّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ ربّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىَ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود 1).
قوله تعالى: {إني حرمت الظلم على نفسي} قال العلماء: معناه تقدست عنه وتعاليت، والظلم مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى كيف يجاوز سبحانه حداً وليس فوقه من يطيعه؟ وكيف يتصرف في غير ملك والعالم كله في ملكه وسلطانه؟ وأصل التحريم في اللغة المنع فسمى تقدسه عن الظلم تحريماً لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء. قوله تعالى: {وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا} هو بفتح التاء أي لا تتظالموا والمراد لا يظلم بعضكم بعضاً، وهذا توكيد لقوله تعالى يا عبادي وجعلته بينكم محرماً وزيادة تغليظ في تحريمه. قوله تعالى: {كلكم ضال إلا من هديته} قال المازري: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى، وفي الحديث المشهور: "كل مولود يولد على الفطرة" قال فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا وهذا الثاني أظهر، وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله وبهدي الله اهتدى وبإرادة الله تعالى ذلك، وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون ولم يرد هداية الاَخرين ولو أرادها لاهتدوا، خلافاً للمعتزلة في قولهم الفاسد أنه سبحانه وتعالى أراد هداية الجميع جل الله أن يريد ما لا يقع أو يقع ما لا يريد. قوله تعالى: {ما نقص ذلك ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} المخيط بكسر الميم وفتح الياء هو الإبرة قال العلماء: هذا تقريب إلى الإفهام ومعناه لا ينقص شيئاً أصلاً، كما قال في الحديث الاَخر: (لا يغيضها نفقة) أي لا ينقصها نفقة لأن ما عند الله لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه، وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة، والمقصود التقريب إلى الإفهام بما شاهدوه، فإن البحر من أعظم المرئيات عياناً وأكبرها، والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء والله أعلم. قوله تعالى: {يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار} الرواية المشهورة تخطئون بضم التاء وروي بفتحها وفتح الطاء يقال خطئ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ، ومنه قوله تعالى: {استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} ويقال في الإثم أيضاً أخطأ فهما صحيحان.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" قال القاضي: قيل هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد وبه فسروا قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} أي شدائدهما، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات. قوله صلى الله عليه وسلم: "واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم" قال القاضي: يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الاَخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والاَخرة، قال جماعة: الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل، وقيل هو البخل مع الحرص، وقيل البخل في أفراد الأمور والشح عام، وقيل البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف، وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" أي أعانه عليها ولطف به فيها. قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" في هذا فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زلاته، ويدخل في كشف الكربة وتفريجها من أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته، والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته، وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله، هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة، وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وهذا مجمع عليه، قال العلماء في القسم الأول الذي يستر فيه هذا الستر مندوب فلو رفعه إلى السلطان ونحوه لم يأثم بالإجماع لكن هذا خلاف الأولى وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيام بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا إلى آخره" معناه أن هذا حقيقة المفلس، وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلساً وليس هو حقيقة المفلس لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته، وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام المقطع فتؤخذ حسناته لغرمائه، فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه. قال المازري: وزعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وهذا الإعتراض غلط منه وجهالة بينة لأنه إنما عوقب بفعله ووزره وظلمه فتوجهت عليه حقوق لغرمائه فدفعت إليهم من حسناته فلما فرغت وبقيب بقية قوبلت على حسب ما اقتضته حكمة الله تعالى في خلقه وعدله في عباده فأخذ قدرها من سيئات خصومه فوضع عليه فعوقب به في النار، فحقيقة العقوبة إنما هي بسبب ظلمه ولم يعاقب بغير جناية وظلم منه وهذا كله مذهب أهل السنة والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الاَدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه دعوة وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره، قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب، وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة والجلحاء بالمدهي الجماء التي لا قرن لها والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته" معنى يملي يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة وهو مشتق من الملوة وهي المدة والزمان بضم الميم وكسرها وفتحها، ومعنى لم يفلته لم يطلقه ولم ينفلت منه، قال أهل اللغة: يقال أفلته أطلقه وانفلت تخلص منه
*2* باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوما
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يُونُسَ. حَدّثَنَا زُهَيْرٌ. حَدّثَنَا أَبُو الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اقْتَتَلَ غُلاَمَانِ. غُلاَمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلاَمٌ مِنَ الأَنْصَارِ. فَنَادَىَ الْمُهَاجِرُ أَوِ الْمُهَاجِرُونَ: يَالَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَادَىَ الأَنْصَارِيّ: يَالَ الأَنْصَارِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا هَذَا دَعْوَىَ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ؟" قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللّهِ إِلاّ أَنّ غُلاَمَيْنِ اقْتَتَلاَ فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الاَخَرَ. قَالَ "فَلاَ بَأْسَ. وَلْيَنْصُرِ الرّجُلُ أَخَاهُ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً. إِنْ كَانَ ظَالِماً فَلْيَنْهَهُ، فَإِنّهُ لَهُ نَصْرٌ. وَإِنْ كَانَ مَظْلُوماً فَلْيَنْصُرْهُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللّفْظُ لاِبْنِ أَبِي شَيْبَةَ (قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرُونَ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: كُنّا مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ. فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ الأَنْصَارِيّ: يَا للأَنْصارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلَيّةِ؟" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ: "دَعُوهَا. فَإِنّهَا مُنْتِنَةٌ" فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا. وَاللّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَىَ الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأَعَزّ مِنْهَا الأَذَلّ.
قَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: "دَعْهُ. لاَ يَتَحَدّثُ النّاسُ أَنّ مُحَمّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ".
حدّثنا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ (قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا، وَقَالَ: الاَخَرَانِ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ. فَأَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ الْقَوَدَ: فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهَا. فَإِنّهَا مُنْتِنَةٌ".
قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً.
قوله: (اقتتل غلامان) أي تضاربا. وقوله: (فنادى المهاجر يال المهاجرين ونادى الأنصاري يال الأنصار) هكذا هو في معظم النسخ يال بلام مفصولة في الموضعين، وفي بعضها يا للمهاجرين ويا للأنصار بوصلها، وفي بعضها يا آل المهاجرين بهمزة ثم لام مفصولة واللام مفتوحة في الجميع وهي لام الاستغاثة والصحيح بلام موصولة، ومعناه أدعو المهاجرين وأستغيث بهم، وأما تسميته صلى الله عليه وسلم ذلك دعوى الجاهلية فهو كراهة منه لذلك فإنه مما كانت عليه الجاهلية من التعاضد بالقبائل في أمور الدنيا ومتعلقاتها، وكانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات والقبائل فجاء الإسلام بإبطال ذلك وفصل القضايا بالأحكام الشرعية، فإذا اعتدى إنسان على آخر حكم القاضي بينهما وألزمه مقتضى عدوانه كما تقرر من قواعد الإسلام. وأما قوله صلى الله عليه وسلم في آخر هذه القصة لا بأس فمعناه لم يحصل من هذه القصة بأس مما كنت خفته، فإنه خاف أن يكون حدث أمر عظيم يوجب فتنة وفساداً وليس هو عائداً إلى رفع كراهة الدعاء بدعوى الجاهلية. قوله: (فكسع أحدهما الاَخر) هو بسين مخففة مهملة أي ضرب دبره وعجيزته بيد أو رجل أو سيف وغيره. قوله صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة" أي قبيحة كريهة مؤذية. قوله صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الحلم، وفيه ترك بعض الأمور المختارة والصبر على بعض المفاسد خوفاً من أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم منه، وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين وتتم دعوة الإسلام ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة ويرغب غيرهم في الإسلام، وكان يعطيهم الأموال الجزيلة لذلك ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى ولإظهارهم الإسلام، وقد أمر بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، ولأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه إما حمية وإما لطلب دنيا أو عصبية لمن معه من عشائرهم. قال القاضي: واختلف العلماء هل بقي حكم الإغضاء عنهم وترك قتالهم أو نسخ ذلك عند ظهور الإسلام ونزول قوله تعالى: {جاهد الكفار والمنافقين} وإنها ناسخة لما قبلها، وقيل قول ثالث أنه إنما كان العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم فإذا أظهروه قتلوا
*2* باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ و أَبُو عَامِرٍ الأَشْعَرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَ أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ وَ ابْنُ إِدْرِيسَ وَ أَبُو أُسَامَةَ. كُلّهُمْ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدّ بَعْضُهُ بَعْضاً".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُميْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا زَكَرِيّاءُ عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ".
حدّثنا إِسْحَقُ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُطَرّفٍ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. قَالاَ: حَدّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِنِ اشْتَكَىَ رَأْسُهُ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمّىَ وَالسّهَرِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيَرٍ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ. إِنِ اشْتَكَىَ عَيْنُهُ، اشْتَكَىَ كُلّهُ. وَإِنِ اشْتَكَىَ رَأْسُهُ، اشْتَكَىَ كُلّهُ".
حدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشّعْبِيّ، عَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وفي الحديث الاَخر: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم" إلى آخره. هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه، وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تداعى لها سائر الجسد" أي دعا بعضه بعضاً إلى المشاركة في ذلك ومنه قوله: تداعت الحيطان أي تساقطت أو قربت من التساقط
*2* باب النهي عن السباب
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ) عَنْ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْتَبّانِ مَا قَالاَ، فَعَلَىَ الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم" معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار ولا خلاف في جوازه وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} وقال تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} ومع هذا فالصبر والعفو أفضل. قال الله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} وللحديث المذكور بعد هذا: (ما زاد الله عبداً يعفو إلا عزاً) واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام كما قال صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق" ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذباً أو قذفاً أو سباً لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم يا أحمق أو جافي أو نحو ذلك لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف، قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه إثم الابتداء أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل يرتفع عنه جميع الإثم بالإنتصار منه ويكون معنى على البادئ أي عليه اللوم والذم لا الإثم
*2* باب استحباب العفو والتواضع
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَ قُتَيْبَةُ وَ ابْنُ حُجْرٍ. قالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ. وَمَا زَادَ اللّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاّ عِزّا. وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلّهِ إِلاّ رَفَعَهُ اللّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة من مال" ذكروا فيه وجهين: أحدهما معناه أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية وهذا مدرك بالحس والعادة. والثاني أنه وإن نقصت صورته كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة. قوله صلى الله عليه وسلم: (وما زاد الله عبداً يعفو إلا عزاً) فيه أيضاً وجهان: أحدهما أنه على ظاهره وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاد عزه وإكرامه. والثاني: أن المراد أجره في الاَخرة وعزه هناك. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" فيه أيضاً وجهان: أحدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه: والثاني أن المراد ثوابه في الاَخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة معروفة وقد يكون المراد الوجهين معاً في جميعها في الدنيا والاَخرة والله أعلم
*2* باب تحريم الغيبة
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ أَيّوبَ وَ شِيبة و ابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟" قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِن كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَقَدْ بَهَتّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته" يقال بهته بفتح الهاء مخففة قلت فيه البهتان وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه وهما حرامان لكن تباح الغيبة لغرض شرعي وذلك لستة أسباب: أحدها التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول ظلمني فلان أو فعل بي كذا. الثاني: الاستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك. الثالث: الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة، والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد كان من أمره كذا ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها أن أبا سفيان رجل شحيح. الرابع: تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين وذلك جائز بالإجماع بل واجب صوناً للشريعة. ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته. ومنها إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً أو عبداً سارقاً أو زانياً أو شارباً أو نحو ذلك تذكره للمشتري إذا لم يعلمه نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد. ومنها إذا رأيت متفقهاً يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علماً وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله قاصداً النصيحة. ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة. الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر. السادس: التعريف فإذا كان معروفاً بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به ويحرم ذكره به تنقصاً ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى والله أعلم
*2* باب بشارة من ستر الله تعالى عيبه في الدنيا، بأن يستر عليه في الاَخرة
*حدّثني أُمَيّةُ بْنُ بِسْطَامٍ الْعَيْشِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). حَدّثَنَا رَوْحٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَسْتُرُ اللّهُ عَلَىَ عَبْدٍ فِي الدّنْيَا، إِلاّ سَتَرَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَفّانُ. حَدّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدّثَنَا سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْداً فِي الدّنْيَا، إِلاّ سَتَرَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة" قال القاضي: يحتمل وجهين أحدهما أن يستر معاصيه وعيوبه عن إذاعتها في أهل الموقف. والثاني ترك محاسبته عليها وترك ذكرها. قال: والأول أظهر لما جاء في الحديث الاَخر يقرره بذنوبه يقول سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم. وأما الحديث المذكور بعده: (لا يستر عبد عبداً إلا ستره الله يوم القيامة) فسبق شرحه قريباً
*2* باب مداراة من يتقى فحشه
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ ابْنُ نُمَيْرٍ. كُلّهُمْ عَنِ ابْنِ عْيَيْنَةَ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ) قَالَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ (وَهُو ابْنُ عُيَيْنَةَ) عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ يَقُولُ: حَدّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "ائْذَنُوا لَهُ. فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ" فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلاَنَ لَهُ الْقَوْلَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْتَ لَهُ الّذِي قُلْتَ. ثُمّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ "يَا عَائِشَةُ إِنّ شَرّ النّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النّاسُ اتّقَاءَ فُحْشِهِ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ فِي هَذَا الاْسْنَادِ. مِثْلَ مَعْنَاهُ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: "بِئْسَ أَخُو الْقَوْمِ وَابْنُ الْعَشِيرَةِ".
قوله: (أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة أو بئس رجل العشيرة. فلما دخل ألان له القول فقلت يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول قال يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه) قال القاضي: هذا الرجل هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف حاله، قال: وكان منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه وارتد مع المرتدين وجيء به أسيراً إلى أبي بكر رضي الله عنه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه بئس أخو العشيرة من أعلام النبوة لأنه ظهر كما وصف، وإنما ألان له القول تألفاً له ولأمثاله على الإسلام، وفي هذا الحديث مداراة من يتقي فحشه وجواز غيبة الفاسق المعلن فسقه ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه، وقد أوضحناه قريباً في باب الغيبة ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر أنه أثنى عليه في وجهه ولا في قفاه إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام، وأما بئس ابن العشيرة أو رجل العشيرة فالمراد بالعشيرة قبيلته أي بئس هذا الرجل منها
*2* باب فضل الرفق
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ. حَدّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ يُحْرَمِ الرّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ. حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ). كُلّهُمْ عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللّفْظُ لَهُمَا (قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ هِلاَلٍ الْعَبْسِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيراً يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ يُحْرَمِ الرّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ هِلاَلٍ. قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ حُرِمَ الرّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ، أَوْ مَنْ يُحْرَمِ الرّفْقَ يُحَرَمِ الْخَيْر".
حدّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ التّجِيبِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ. حَدّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ (يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ)، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنّ اللّهَ رَفِيقٌ يُحِبّ الرّفْقَ. وَيُعْطِي عَلَىَ الرّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَىَ الْعُنْفِ. وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَىَ مَا سِوَاهُ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمِقْدَامِ، (وَهُوَ ابْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الرّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ شَانَهُ".
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بْنَ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ: رَكِبَتْ عَائِشَةُ بَعِيراً. فَكَانَتْ فِيهِ صُعُوبَةٌ. فَجَعَلَتْ تُرَدّدُهُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكِ بِالرّفْقِ". ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يحرم الخير".
وفي رواية: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه".
وفي رواية: "لا يكون الرفق في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه". وفي رواية: "عليك بالرفق" أما العنف فبضم العين وفتحها وكسرها حكاهن القاضي وغير الضم أفصح وأشهر وهو ضد الرفق، وفي هذه الأحاديث فضل الرفق والحث على التخلق وذم العنف والرفق سبب كل خير، ومعنى يعطي على الرفق أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره. وقال القاضي: معناه يتأتى به من الأغراض ويسهل من المطالب ما لا يتأتى بغيره. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه برفيق. قال المازري: لا يوصف الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت الأمة عليه. وأما ما لم يرد إذن في إطلاقه ولا ورد منع في وصف الله تعالى به ففيه خلاف منهم من قال يبقى على ما كان قبل ورود الشرع فلا يوصف بحل ولا حرمة ومنهم من منعه. قال: وللأصوليين المتأخرين خلاف في تسمية الله تعالى بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بخبر الاَحاد فقال بعض حذاق الأشعرية: يجوز لأن خبر الواحد عنده يقتضي العمل وهذا عنده من باب العمليات لكنه يمنع إثبات أسمائه تعالى بالأقيسة الشرعية وإن كانت يعمل بها في المسائل الفقهية، وقال بعض متأخريهم: يمنع ذلك فمن أجاز ذلك فهم من مسالك الصحابة قبولهم ذلك في مثل هذا، ومن منع لم يسلم ذلك ولم يثبت عنده إجماع فيه فبقي على المنع، قال المازري: فإطلاق رفيق إن لم يثبت بغير هذا لحديث الاَحاد جرى في جواز استعماله الخلاف الذي ذكرنا، قال: ويحتمل أن يكون رفيق صفة فعل وهي ما يخلقه الله تعالى من الرفق لعباده، هذا آخر كلام المازري، والصحيح جواز تسمية الله تعالى رفيقاً وغيره مما ثبت بخبر الواحد، وقد قدمنا هذا واضحاً في كتاب الإيمان في حديث: (ان الله جميل يحب الجمال) في باب تحريم الكبر وذكرنا أنه اختيار إمام الحرمين
*2* باب النهي عن لعن الدوابّ وغيرها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُلَيّةَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللّهَ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَىَ نَاقَةٍ. فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا. فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهَ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا. فَإِنّهَا مَلْعُونَةٌ".
قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنّي أَرَاهَا الاَنَ تَمْشِي فِي النّاسِ، مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ أَبُو الرّبِيعِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَمّادٌ (وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ). ح وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا الثّقَفِيّ. كِلاَهُمَا عَنْ أَيّوبَ. بِإِسْنَادِ إِسْمَاعِيلَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ. إِلاّ أَنّ فِي حَدِيثِ حَمّادٍ: قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا، نَاقَةً وَرْقَاءَ. وَفِي حَدِيثِ الثّقَفِيّ: فَقَالَ: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا. فَإِنّهَا مَلْعُونَةٌ".
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ. حَدّثَنَا يَزِيدُ (يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ). حَدّثَنَا التّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ، قَالَ: بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَىَ نَاقَةٍ، عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ، إِذْ بَصُرَتْ بِالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَتَضَايَقَ بِهِمُ الْجَبَلُ. فَقَالَتْ: حَلْ حَلْ. اللّهُمّ الْعَنْهَا قَالَ: فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ. حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. ح وَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ). جَمِيعاً عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ "لاَ. أَيْمُ اللّهِ لاَ تُصَاحِبُنَا رَاحِلَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ مِنَ اللّهِ" أَوْ كَمَا قَالَ.
حدّثنا هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ (وَهُوَ ابْنُ بِلاَلٍ) عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. حَدّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَنْبَغِي لِصِدّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعّاناً".
حَدّثَنِيهِ أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَعَثَ إِلَىَ أُمّ الدّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ. فَلَمّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللّيْلِ، فَدَعَا خَادِمَهُ، فَكَأَنّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَعَنَهُ. فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ أُمّ الدّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ، اللّيْلَةَ، لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ. فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَكُونُ اللّعّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَ أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ عَاصِمُ بْنُ النّضْرِ التّيْمِيّ. قَالُوا: حَدّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. كِلاَهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِ مَعْنَىَ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أُمّ الدّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنّ اللّعّانِين لاَ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلا شُفَعَاءَ، يَوْم الْقِيَامَةِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالاَ: حَدّثَنَا مَرْوَانُ (يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيّ) عَنْ يَزِيدَ(وَهُوَ ابْنُ كَيْسَانَ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ "إِنّي لَمْ أُبْعَثْ لَعّاناً. وَإِنّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً".
قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة التي لعنتها المرأة: "خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" وفي رواية: "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها وكان قد سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن فعوقبت بإرسال الناقة، والمراد النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق، وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير مصاحبته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل هذا فهي باقية على الجواز لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما كان، وقوله ناقة ورقاء بالمد أي يخالط بياضها سواد والذكر أورق وقيل هي التي لونها كلون الرماد.
قوله: (فقالت حل) هي كلمة زجر للإبل واستحثاث، يقال حل حل بإسكان اللام فيهما. قال القاضي: ويقال أيضاً حل حل بكسر اللام فيهما بالتنوين وبغير تنوين. قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما عليها وأعروها" هو بهمزة قطع وبضم الراء يقال أعريته وعريته إعراء وتعرية فتعرى، والمراد هنا خذوا ما عليها من المتاع ورحلها وآلتها.
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً ولا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة) فيه الزجر عن اللعن وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى، وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً وكالجسد الواحد وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو من نهاية المقاطعة والتدابر وهذا غاية ما يوده المسلم للكافر ويدعو عليه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: "لعن المؤمن كقتله" لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا وهذا يقطعه عن نعيم الاَخرة ورحمة الله تعالى. وقيل: معنى لعن المؤمن كقتله في الإثم وهذا أظهر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: انهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء فمعناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار ولا شهداء فيه ثلاثة أقوال: أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات. والثاني: لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم. والثالث: لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً ولا يكون اللعانون شفعاء" بصيغة التكثير، ولم يقل لاعناً واللاعنون لأن هذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن لا لمرة ونحوها، ولأنه يخرج منه أيضاً اللعن المباح وهو الذي ورد الشرع به وهو لعنة الله على الظالمين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الواصلة والواشمة وشارب الخمر وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والمصورين ومن انتمى إلى غير أبيه وتولى غير مواليه وغير منار الأرض وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة.
قوله: (بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده) بفتح الهمزة وبعدها نون ثم جيم وهو جمع نجد بفتح النون والجيم وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش ونمارق وستور وقاله الجوهري بإسكان الجيم قال وجمعه نجود حكاه عن أبي عبيد فهما لغتان، ووقع في رواية ابن ماهان بخادم بالخاء المعجمة والمشهور الأول
*2* باب من لعنة النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلاً لذلك، كان له زكاة وأجراً ورحمة
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضّحَىَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاَنِ. فَكَلّمَاهُ بِشَيْءٍ لاَ أَدْرِي مَا هُوَ. فَأَغْضَبَاهُ. فَلَعَنَهُمَا وَسَبّهُمَا. فَلَمّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئاً مَا أَصَابَهُ هَذَانِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم "وَمَا ذَاكِ؟" قَالَتْ قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا. قَالَ "أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبّي؟ قُلْتُ: اللّهُمّ إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ. فَأَيّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْراً".
حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَاهُ عَلِيّ بْنُ حُجْرٍ السّعْدِيّ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيّ بْنُ خَشْرَمٍ. جَمِيعاً عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيث جَرِيرٍ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ عِيسَىَ: فَخَلَوَا بِهِ، فَسَبّهُمَا، وَلَعَنَهُمَا، وَأَخْرَجَهُمَا.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْد اللّهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "اللّهُمّ إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ. فَأَيّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً".
وحدّثنا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاّ أَنّ فِيهِ "زَكَاةً وَأَجْرَاً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. مِثْلَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ عِيسَىَ جَعَلَ "وَأَجْراً" فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَجَعَلَ "وَرَحْمَةً" فِي حَدِيثِ جَابِرٍ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اللّهُمّ إِنّي أَتّخِذُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفَنِيهِ. فَإِنّمَا أَنَا بَشَرٌ. فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ، شَتَمْتُهُ، لَعَنْتُهُ، جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً، تُقَرّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَة".
حدّثناه ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ. حَدّثَنَا أَبُو الزّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ. إِلاّ أَنّهُ قَالَ "أَوْ جَلَدّهُ".
قَالَ أَبُو الزّنَادِ: وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَإِنّمَا هِيَ "جَلَدْتُهُ".
حدّثني سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِهِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى النّصْرِيّينَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّمَا مُحَمّدٌ بَشَرٌ. يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ. وَإِنّي قَدِ اتّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفَنِيهِ. فَأَيّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اللّهُمّ فَأَيّمَا عَبْدٍ مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمّهِ. حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "اللّهُمّ إِنّي اتّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفَنِيهِ. فَأَيّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ. فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفّارَةً لَهُ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
حدّثني هَرُونَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ حَجّاجُ بْنُ الشّاعِرِ. قَالاَ: حَدّثَنَا حَجّاجُ بْنُ مُحَمّدٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ. وَإِنّي اشْتَرَطْتُ عَلَىَ رَبّي عَزّ وَجَلّ، أيّ عَبْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْراً".
حَدّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ. حَدّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ. جَمِيعاً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ أَبُو مَعْنٍ الرّقَاشِيّ (وَاللّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالاَ: حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ. حَدّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ. حَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ. حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ. وَهِيَ أُمّ أَنَسٍ. فَرَأَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَتِيمَةَ. فَقَالَ: "آنْتِ هِيَهْ؟ لَقَدْ كَبِرْتِ، لاَ كَبِرَ سِنّكِ" فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَىَ أُمّ سُلَيْمٍ تَبْكِي. فَقَالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ؟ يَا بُنَيّةُ قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيّ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنّي. فَالاَنَ لاَ يَكْبَرُ سِنّي أَبَداً. أَوْ قَالَتْ قَرْنِي. فَخَرَجَتْ أُمّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا. حَتّىَ لِقَيَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكِ؟ يَا أُمّ سُلَيْمٍ" فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ اللّهِ أَدَعَوْتَ عَلَىَ يَتِيمَتِي؟ قَالَ "وَمَا ذَاكِ؟ يَا أُمّ سُلَيْمٍ" قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنّكَ دَعَوْتَ أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنّهَا وَلاَ يَكْبَرَ قَرْنُهَا. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ قَالَ "يَا أُمّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنّ شَرْطِي عَلَىَ رَبّي، أَنّي اشْتَرَطْتُ عَلَىَ رَبّي فَقُلْتُ: إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ. أَرْضَىَ كَمَا يَرْضَىَ الْبَشَرُ. وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ. فَأَيّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، مِنْ أُمّتِي، بِدَعْوَةٍ، لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُوراً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وَقَالَ أَبُو مَعْنٍ: يُتَيّمَةٌ. بِالتّصْغِيرِ، فِي الْمَوَاضِعِ الثّلاثَةِ مِنَ الْحَدِيثِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى الْعَنَزِيّ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ بَشّارٍ (وَاللّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنّى). قَالاَ: حَدّثَنَا أُمَيّةُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصّابِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصّبْيَانِ. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ. قَالَ: فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً. وَقَالَ: "اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ". قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. قَالَ: ثُمّ قَالَ لِيَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ" قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. فَقَالَ: "لاَ أَشْبَعَ اللْهُ بَطْنَهُ".
قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: قُلْتُ لاِمَيّةَ: مَا حَطَأَنِي؟ قَالَ: قَفَدَنِي قَفْدَةً.
حدّثني إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ. سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصّبْيَانِ. فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً".
وفي رواية: "أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة" وفي رواية: "فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" وفي رواية: (إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهداً لن تخلفنيه فأيما مؤمن أذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة" وفي رواية: "إني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهوراً وزكاة وقربة" هذه الأحاديث مبينة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم. وهذه الرواية المذكورة آخراً تبين المراد بباقي الروايات المطلقة وأنه إنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلاً للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلماً وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك لهم رحمة. فإن قيل: كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك؟ فالجواب ما أجاب به العلماء ومختصره وجهان: أحدهما أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى وفي باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلاً لذلك وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر. والثاني: أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله: تربت يمينك وعقرى حلقى. وفي هذا الحديث: لا كبرت سنك. وفي حديث معاوية: لا أشبع الله بطنه ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهوراً وأجراً، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا لعاناً ولا منتقماً لنفسه، وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا ادع على دوس فقال: (اللهم اهد دوساً). وقال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أغضب كما يغضب البشر" فقد يقال ظاهره أن السب ونحوه كان بسبب الغضب، وجوابه ما ذكره المازري قال: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أي دعاء وسبه وجلده كان مما يخير فيه بين أمرين: أحدهما هذا الذي فعله، والثاني زجره بأمر آخر فحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين المتخير فيهما وهو سبه أو لعنه وجلده ونحو ذلك وليس ذلك خارجاً عن حكم الشرع والله أعلم. ومعنى اجعلها له صلاة أي رحمة كما في الرواية الأخرى: والصلاة من الله تعالى الرحمة. قوله جلده قال وهي لغة أبي هريرة وإنما هي جلدته معناه أن لغة النبي صلى الله عليه وسلم وهي المشهورة لعامة العرب جلدته بالتاء ولغة أبي هريرة جلده بتشديد الدال على إدغام المثلين وهو جائز. قوله: (سالم مولى النصريين) بالنون والصاد المهملة سبق بيانه مرات.
قوله: (حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا إسحاق بن أبي طلحة) هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح وهو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة نسبه إلى جده. قوله: (كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس) فقوله وهي أم أنس يعني أم سليم هي أم أنس. قوله: (فقال لليتيمة أنت هيه) هو بفتح الياء وإسكان الهاء وهي هاء السكت. قولها: (لا يكبر سني أو قالت قرني) بفتح القاف وهو نظيرها في العمر، قال القاضي: معناه لا يطول عمرها لأنه إذا طال عمره طال عمر قرنه، وهذا الذي قاله فيه نظر لأنه لا يلزم من طول عمر أحد القرنين طول عمر الاَخر فقد يكون سنهما واحد ويموت أحدهما قبل الاَخر. وأما قوله صلى الله عليه وسلم لها: "لا كبر سنك" فلم يرد به حقيقة الدعاء بل هو جار على ما قدمناه في ألفاظ هذا الباب. قوله: (تلوث خمارها) هو بالمثلثة في آخره أي تديره على رأسها.
قوله: (عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس) أبو حمزة هذا بالحاء والزاي اسمه عمران بن أبي عطاء الأسدي الواسطي القصاب بياع القصب، قالوا: وليس له عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وله عن ابن عباس من قوله أنه يكره مشاركة المسلم اليهودي، وكل ما في الصحيحين أبو جمرة عن ابن عباس فهو بالجيم والراء وهو نصر بن عمران الضبعي إلا هذا القصاب فله في مسلم هذا الحديث وحده لا ذكر له في البخاري. قوله: (عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب فجاء فحطأني حطأة وقال اذهب ادع لي معاوية) وفسر الراوي أي قفدني أما حطأني فبحاء ثم طاء مهملتين وبعدها همزة وقفدني بقاف ثم فاء ثم دال مهملة، وقوله حطأة بفتح الحاء وإسكان الطاء بعدها همزة وهو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين وإنما فعل هذا بابن عباس ملاطفة وتأنيساً، وأما دعاؤه على معاوية أن لا يشبع حين تأخر ففيه الجوابان السابقان: أحدهما أنه جرى على اللسان بلا قصد، والثاني أنه عقوبة له لتأخره، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه فلهذا أدخله في هذا الباب وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له، وفي هذا الحديث جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام، وفيه اعتماد الصبي فيما يرسل فيه من دعاء إنسان ونحوه من حمل هدية وطلب حاجة وأشباهه، وفيه جواز إرسال صبي غيره ممن يدل عليه في مثل هذا، ولا يقال هذا تصرف في منفعة الصبي لأن هذا قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة واطرد به العرف وعمل المسلمين والله أعلم
*2* باب ذم ذي الوجهين، وتحريم فعله
*حدّثنا يَحْيَىَ بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "إِنّ مِنْ شَرّ النّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ. الّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنّ شَرّ النّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ. الّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ.
حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنِي ابْنِ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "تَجِدُونَ مِنْ شَرّ النّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ. الّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه" هذا الحديث سبق شرحه، والمراد من يأتي كل طائفة ويظهر أنه منهم ومخالف للاَخرين مبغض فإن أتى كل طائفة بالإصلاح ونحوه فمحمود
*2* باب تحريم الكذب، وبيان المباح منه
*حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنّ أُمّهُ، أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، اللاّتِي بَايَعْنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أَخْبَرَتْهُ أَنّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: "لَيْسَ الْكَذّابُ الّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النّاسِ، وَيَقُولُ خَيْراً وَيَنْمِي خَيْراً".
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخّصُ فِي شَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ كَذِبٌ إِلاّ فِي ثَلاَثٍ: الْحَرْبُ، وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النّاسِ، وَحَدِيثُ الرّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا.
حدّثنا عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْن مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِ صَالِحٍ: وَقَالَتْ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرخّصُ فِي شَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ إِلاّ فِي ثَلاَثٍ. بِمِثْلِ مَا جَعَلَهُ يُونُسُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ.
وحدّثناه عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. إِلَىَ قَوْلِهِ "وَنَمَىَ خَيْراً" وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً أو ينمي خيراً" هذا الحديث مبين لما ذكرناه في الباب قبله، ومعناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس بل هذا محسن. قوله: (قال ابن شهاب ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها) قال القاضي: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو فقالت طائفة هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {بل فعله كبيرهم وإني سقيم} وقوله: إنها أختي. وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم: أيتها العير إنكم لسارقون. قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو. وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلاً، قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا وينوي إن قدر الله ذلك، وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه، وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاماً جميلاً ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية، أو غداً يأتينا مدد أي طعام ونحوه، هذا من المعاريض المباحة فكل هذا جائز، وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض والله أعلم. وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك، فأما المخادعة في منع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين والله أعلم
*2* باب تحريم النميمة
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَقَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: إِنّ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ أُنَبّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النّاسِ". وَإِنّ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ الرّجُلَ يَصْدُقُ حَتّىَ يُكْتَبَ صِدّيقاً. وَيَكْذِبُ حَتّىَ يُكْتَبَ كَذّاباً".
وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم ما العضه هي النميمة القالة بين الناس" هذه اللفظة رووها على وجهين: أحدهما العضة بكسر العين وفتح الضاد المعجمة على وزن العدة والزنة. والثاني العضه بفتح العين وإسكان الضاد على وزن الوجه. وهذا الثاني هو الأشهر في روايات بلادنا والأشهر في كتب الحديث وكتب غريبه، والأول أشهر في كتب اللغة، ونقل القاضي أنه رواية أكثر شيوخهم، وتقدير الحديث والله أعلم: ألا أنبئكم ما العضه الفاحش الغليظ التحريم
*2* باب قبح الكذب، وحسن الصدق، وفضله
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الصّدْقَ يَهْدِي إِلَىَ الْبِرّ. وَإِنّ الْبِرّ يَهْدِي إِلَىَ الْجَنّةِ. وَإِنّ الرّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتّىَ يُكْتَبَ صِدّيقاً. وَإِنّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَىَ الْفُجُورِ، وَإِنّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَىَ النّارِ، وَإِنّ الرّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتّىَ يُكْتَبَ كَذّاباً".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنّ الصّدْقَ بِرّ. وَإِنّ الْبِرّ يَهْدِي إِلَىَ الْجَنّةِ. وَإِنّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرّىَ الصّدْقَ حَتّىَ يُكْتَبَ عِنْدَ اللّهِ صِدّيقاً. وَإِنّ الْكَذِبَ فُجُورٌ. وَإِنّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَىَ النّارِ. وَإِنّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرّىَ الْكَذِبَ حَتّىَ يُكْتَبَ كَذّاباً".
قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
حدّثنا مُحَمّدُ بْن عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ وَكِيعٌ. قَالاَ: حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "عَلَيْكُمْ بِالصّدْقِ. فَإِنّ الصّدْقَ يَهْدِي إِلَىَ الْبِرّ. وَإِنّ الْبِرّ يَهْدِي إِلَىَ الْجَنّةِ. وَمَا يَزَالُ الرّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرّىَ الصّدْقَ حَتّىَ يُكْتَبَ عِنْدَ اللّهِ صِدّيقاً. وَإِيّاكُمْ وَالْكَذِبَ. فَإِنّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَىَ الْفُجُورِ. وَإِنّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَىَ النّارِ. وَمَا يَزَالُ الرّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّىَ الْكَذِبَ حَتّىَ يُكْتَبَ عِنْدَ اللّهِ كَذّاباً".
حدّثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التّمِيمِيّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيّ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ عِيسَىَ "وَيَتَحَرّى الصّدْقَ. وَيَتَحَرّى الْكَذِبَ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ "حَتّىَ يَكْتُبَهُ اللّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار" قال العلماء: معناه أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم، والبر اسم جامع للخير كله وقيل البر الجنة، ويجوز أن يتناول العلم الصالح والجنة، وأما الكذب فيوصل إلى الفجور وهو الميل عن الاستقامة وقيل الانبعاث في المعاصي. قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" وفي رواية: "ليتحرى الصدق وليتحرى الكذب" وفي رواية: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإياكم والكذب" قال العلماء: هذا فيه حث على تحري الصدق وهو قصده والإعتناء به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعرف به وكتبه الله لمبالغته صديقاً إن اعتاده أو كذاباً إن اعتاده، ومعنى يكتب هنا يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم أو صفة الكذابين وعقابهم، والمراد إظهار ذلك للمخلوقين إما بأن يكتبه في ذلك ليشتهر بحظه من الصفتين في الملأ الأعلى، وإما بأن يلقى ذلك في قلوب الناس وألسنتهم كما يوضع له القبول والبغضاء وإلا فقدر الله تعالى وكتابه السابق قد سبق بكل ذلك والله أعلم. واعلم أن الموجود في جميع نسخ البخاري ومسلم ببلادنا وغيرها أنه ليس في متن الحديث إلا ما ذكرناه، وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ، وكذا نقله الحميدي، ونقل أبو مسعود الدمشقي عن كتاب مسلم في حديث ابن مثنى وابن بشار زيادة، وأن شر الروايا روايا الكذب، وأن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا يعد الرجل صبيه ثم يخلفه، وذكر أبو مسعود أن مسلماً روى هذه الزيادة في كتابه، وذكرها أيضاً أبو بكر البرقاني في هذا الحديث، قال الحميدي: وليست عندنا في كتاب مسلم، قال القاضي: الروايا هنا جمع روية وهي ما يتروى فيه الإنسان ويستعد به أمام عمله، وقوله قال وقيل جمع راوية أي حامل وناقل له والله أعلم
*2* باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، وبأي شيء يذهب الغضب
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ (وَاللّفْظُ لِقُتَيْبَةَ). قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التّيْمِيّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَعُدّونَ الرّقُوبَ فِيكُمْ؟" قَالَ قُلْنَا: الّذِي لاَ يُولَدُ لَهُ. قَالَ: "لَيْسَ ذَاكَ بِالرّقُوبِ. وَلَكِنّهُ الرّجُلُ الّذِي لَمْ يُقَدّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئاً" قَالَ: "فَمَا تَعُدّونَ الصّرَعَةَ فِيكُمْ؟" قَالَ: قُلْنَا: الّذِي لاَ يَصْرَعُهُ الرّجَالُ. قَالَ "لَيْسَ بِذَلِكَ. وَلَكِنّهُ الّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَ مَعْنَاهُ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ عَبْدُ الأَعْلَىَ بْنُ حَمّادٍ. قَالاَ، كِلاَهُمَا: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرَعَةِ. إِنّمَا الشّدِيدُ الّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
حدّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزّبَيْدِيّ، عَنِ الزّهْرِيّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيْسَ الشّدِيدُ بِالصّرْعَةِ" قَالُوا: فَالشّدِيدُ أَيّمَ هُوَ؟ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ "الّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
وحدّثناه مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. جَمِيعاً عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ: حَدّثَنَا) أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِيّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الّذِي يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" فَقَالَ الرّجُلُ: وَهَلْ تَرَىَ بِي مِنْ جُنُونٍ؟.
قَالَ ابْنُ الْعَلاَءِ: فَقَالَ: وَهَلْ تَرَىَ. وَلَمْ يَذْكُرِ الرّجُلَ.
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيّ بْنَ ثابِتٍ يَقُولُ: حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغْضَبُ وَيَحْمَرّ وَجْهُهُ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" فَقَامَ إِلَىَ الرّجُلِ رَجُلٌ مِمّنْ سَمِعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفاً؟ قَالَ: "إِنّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ: أَمَجْنُوناً تَرَانِي؟.
وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الرقوب فيكم؟ قال قلنا: الذي لا يولد له، قال: ليس ذلك بالرقوب ولكنه الرجل الذي لم يقدم من ولده شيئاً، قال: فما تعدون الصرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: ليس بذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب" أما الرقوب فبفتح الراء وتخفيف القاف، والصرعة بضم الصاد وفتح الراء وأصله في كلام العرب الذي يصرع الناس كثيراً، وأصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد، ومعنى الحديث أنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعاً بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه يكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه ويكون له فرطاً وسلفاً، وكذلك تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم وليس هو كذلك شرعاً بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول، وفي الحديث فضل موت الأولاد والصبر عليهم، ويتضمن الدلالة لمذهب من يقول بتفضيل التزوج وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحابنا وسبقت المسألة في النكاح، وفيه كظم الغيظ وإمساك النفس عند الغضب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة.
قوله صلى الله عليه وسلم في الذي اشتد غضبه: "إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان، وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأنه سبب لزوال الغضب. وأما قول هذا الرجل الذي اشتد غضبه هل ترى بي من جنون فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى ولم يتهذب بأنوار الشريعة المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له أوصني: لا تغضب فردد مراراً قال لا تغضب فلم يزده في الوصية على لا تغضب مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه، ويحتمل أن هذا القائل هل ترى بي من جنون كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب والله أعلم
*2* باب خلق الإنسان خلقاً لا يتمالك
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ حَمّادِ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمّا صَوّرَ اللّهُ آدَمَ فِي الْجَنّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ. فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ. يَنْظُرُ مَا هُوَ. فَلَمّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنّهُ خُلِقَ خَلْقاً لاَ يَتَمَالَكُ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادٌ. بِهَذَا الاْسْنَادِ، نَحْوَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يطيف به" قال أهل اللغة: طاف بالشيء يطوف طوفاً وطوافاً وأطاف يطيف إذا استدار حواليه. قوله صلى الله عليه وسلم: "فلما رآه أجوف" علم أنه خلق خلقاً لا يتمالك. الأجوف صاحب الجوف وقيل هو الذي داخله خال، ومعنى لا يتمالك لا يملك نفسه ويحبسها عن الشهوات، وقيل لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل لا يملك نفسه عند الغضب والمراد جنس بني آدم
*2* باب النهي عن ضرب الوجه
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيّ) عَنْ أَبِي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ".
حدّثناه عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزّنَادِ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ".
حدّثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرّوخَ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَتّقِ الْوَجْهَ".
حدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيّ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعَ أَبَا أَيّوبَ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ، فَلاَ يَلْطِمَنّ الْوَجْهَ".
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنِي أَبِي. حَدّثَنَا الْمُثَنّى. ح وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيَ عَنِ الْمُثَنّى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيّوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ حَاتِمٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ. فَإِنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَىَ صُورَتِهِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي عَبْدُ الصّمَدِ. حَدّثَنَا هَمّامٌ. حَدّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْمَرَاغِيّ (وَهُوَ أَبُو أَيّوبَ)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب" وفي رواية: "إذا ضرب أحدكم" وفي رواية: "لا يلطمن الوجه"وفي رواية: "إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" قال العلماء: هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه وقد ينقصها وقد يشوه الوجه، والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر لا يمكن ستره، ومتى ضربه لا يسلم من شين غالباً، ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله خلق آدم على صورته" فهو من أحاديث الصفات، وقد سبق في كتاب الإيمان بيان حكمها واضحاً ومبسوطاً، وأن من العلماء من يمسك عن تأويلها ويقول نؤمن بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد ولها معنى يليق بها، وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم. والثاني أنها تتأول على حسب ما يليق بتنزيه الله تعالى وأنه ليس كمثله شيء، قال المازري: هذا الحديث بهذا اللفظ ثابت، ورواه بعضهم أن الله خلق آدم على صورة الرحمن وليس بثابت عند أهل الحديث وكأن من نقله رواه بالمعنى الذي وقع له وغلط في ذلك، قال المازري: وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث فأجراه على ظاهره وقال لله تعالى صورة لا كالصور، وهذا الذي قاله ظاهر الفساد لأن الصورة تفيد التركيب وكل مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هو مركباً فليس مصوراً، قال: وهذا كقول المجسمة جسم لا كالأجسام لما رأوا أهل السنة يقولون الباري سبحانه وتعالى شيء لا كالأشياء طردوا الاستعمال فقالوا جسم لا كالأجسام، والفرق أن لفظ شيء لا يفيد الحدوث ولا يتضمن ما يقتضيه، وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث، قال: العجب من ابن قتيبة في قوله صورة لا كالصور مع أن ظاهر الحديث على رأيه يقتضي خلق آدم على صورته فالصورتان على رأيه سواء، فإذا قال لا كالصور تناقض قوله، ويقال له أيضاً إن أردت بقولك صورة لا كالصور أنه ليس بمؤلف ولا مركب فليس بصورة حقيقة وليست اللفظة على ظاهرها وحينئذ يكون موافقاً على افتقاره إلى التأويل. واختلف العلماء في تأويله فقالت طائفة: الضمير في صورته عائد على الأخ المضروب وهذا ظاهر رواية مسلم، وقالت طائفة: يعود إلى آدم وفيه ضعف، وقالت طائفة: يعود إلى الله تعالى ويكون المراد إضافة تشريف واختصاص كقوله تعالى: {ناقة الله} وكما يقال في الكعبة بيت الله ونظائره والله أعلم. قوله: (حدثنا قتادة عن يحيى بن مالك المراغي عن أبي هريرة) المراغي بفتح الميم وبالغين المعجمة منسوب إلى المراغة بطن من الأزد لا إلى البلد المعروفة بالمراغة من بلاد العجم، وهذا الذي ذكرناه من ضبطه وأنه منتسب إلى بطن من الأزد هو الصحيح المشهور ولم يذكر الجمهور غيره، وذكر ابن جرير الطبري أنه منسوب إلى موضع بناحية عمان، وذكر الحافظ عبد الغني المقدسي أنه المراغي بضم الميم ولعله تصحيف من الناسخ والمشهور الفتح وهو الذي صرح به أبو علي الغساني الجياني والقاضي في المشارق والسمعاني في الأنساب وخلائق وهو المعروف في الرواية وكتب الحديث، قال السمعاني: وقيل: إنه بكسر الميم قال والمشهور الفتح والله أعلم
*2* باب الوعيد الشديد لمن عذّب الناس بغير حق
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. قَالَ: مَرّ بِالشّامِ عَلَىَ أُنَاسٍ، وَقَدْ أُقِيمُوا فِي الشّمْسِ، وَصُبّ عَلَىَ رُؤُوسِهِمُ الزّيْتُ. فَقَالَ مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذّبُونَ فِي الْخَرَاجِ. فَقَالَ: أَمَا إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ اللّهَ يُعَذّبُ الّذِينَ يُعَذّبُونَ فِي الدّنْيَا".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَىَ أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ بِالشّامِ. قَدْ أُقِيمُوا فِي الشّمْسِ. فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ. فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ اللّهَ يُعَذّبُ الّذِي يُعَذّبُونَ النّاسَ فِي الدّنْيَا".
حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ وَ أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. كُلّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ، قَالَ: وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَىَ فِلَسْطِينَ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَحَدّثَهُ. فَأَمَرَ بِهِمْ فَحُلّوا.
حدّثني أَبُو الطّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْن وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ وجَدَ رَجُلاً، وَهُوَ عَلَىَ حِمْصَ، يُشَمّسُ نَاساً مِنَ النّبْطِ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ إِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنّ اللّهَ يُعَذّبُ الّذِينَ يُعَذّبُونَ النّاسَ فِي الدّنْيَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس" هذا محمول على التعذيب بغير حق فلا يدخل فيه التعذيب بحق كالقصاص والحدود والتعزير ونحو ذلك. قوله: (أناس من الأنباط) هم فلاحو العجم. قوله: (وأميرهم يومئذ عمير بن سعد) هكذا هو في معظم النسخ عمير بالتصغير ابن سعد بإسكان العين من غير ياء، وفي بعضها عمير بن سعيد بكسر العين وزيادة ياء، قال القاضي: الأول هو الموجود لأكثر شيوخنا وفي أكثر النسخ وأكثر الروايات وهو الصواب وهو عمير بن سعد بن عمير الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف، ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمص وكان يقال له يسبح وجده أبو زيد الأنصاري أحد الذين جمعوا القرآن والله أعلم. قوله: (أميرهم على فلسطين) هي بكسر الفاء وفتح اللام وهي بلاد بيت المقدس وما حولها. قوله: (فأمر بهم فخلوا) ضبطوه بالخاء المعجمة والمهملة والمعجمة أشهر وأحسن
*2* باب أمر من مرّ بسلاح، في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس، أن يمسك بنصالها
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: مَرّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ بِسِهَامٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ وَ أَبُو الرّبِيعِ (قَالَ أَبُو الرّبِيعِ: حَدّثَنَا. وَقَالَ يَحْيَىَ: وَاللّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا) حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَجُلاً مَرّ بِأَسْهُمٍ فِي الْمَسْجِدِ. قَدْ أَبْدَىَ نُصُولَهَا. فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا، كَيْ لاَ يخْدِشَ مُسْلِماً.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا لَيْثٌ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللّيْثُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ أَمَرَ رَجُلاً، كَانَ يَتَصَدّقُ بِالنّبْلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَنْ لاَ يَمُرّ بِهَا إِلاّ وَهُوَ آخِذٌ بِنُصُولِهَا. وَقَالَ ابْنُ رُمْحٍ: كَانَ يَصّدّقُ بِالنّبْلِ.
حدّثنا هَدّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا مَرّ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسٍ أَوْ سُوقٍ، وَبِيَدِهِ نَبْلٌ، فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا. ثُمّ لْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا. ثُمّ لْيَأْخُذْ بِنِصَالِهَا".
قَالَ: فَقَالَ أَبُو مُوسَىَ: وَاللّهِ مَا مُتْنَا حَتّىَ سَدّدْنَاهَا، بَعْضُنَا فِي وُجُوهِ بَعْضٍ.
حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ برّادٍ الأَشْعَرِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ (وَاللّفْظِ لِعَبْدِ اللّهِ). قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا مَرّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا، أَوْ فِي سُوقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ، فَلْيُمْسِكْ عَلَىَ نِصَالِهَا بِكَفّهِ. أَنْ يُصِيبَ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ".
أَوْ قَالَ: "لِيَقْبِضْ عَلَىَ نِصَالِهَا".
قوله صلى الله عليه وسلم: "للذي يمر بالنبل في المسجد فليمسك على نصالها لئلا يصيب بها أحداً من المسلمين" فيه هذا الأدب وهو الإمساك بنصالها عند إرادة المرور بين الناس في مسجد أو سوق أو غيرهما، والنصول والنصال جمع نصل وهو حديدة السهم، وفيه اجتناب كل ما يخاف منه ضرر، وأما قول أبي موسى سددناها بعضنا في وجوه بعض أي قومناها إلى وجوههم وهو بالسين المهملة من السداد وهو القصد والاستقامة
*2* باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم
*حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ وَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالَ عَمْرٌو: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. عَنْ أَيّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَشَارَ إِلَىَ أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ. حَتّىَ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمّهِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَىَ أَخِيهِ بِالسّلاَحِ. فَإِنّهُ لاَ يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلّ الشّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ. فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه" فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه" مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن ولايتهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعباً أم لا، لأن ترويع المسلم حرام بكل حال ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرح به في الرواية الأخرى، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام. وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الملائكة تلعنه" حتى وإن كان هكذا في عامة النسخ، وفيه محذوف وتقديره حتى يدعه، وكذا وقع في بعض النسخ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده" هكذا هو في جميع النسخ لا يشير بالياء بعد الشين وهو صحيح وهو نهي بلفظ الخبر كقوله تعالى: {لا تضار والدة} وقد قدمنا مرات أن هذا أبلغ من لفظ النهي (ولعل الشيطان ينزع) ضبطناه بالعين المهملة، وكذا نقله القاضي عن جميع روايات مسلم، وكذا هو في نسخ بلادنا ومعناه يرمي في يده ويحقق ضربته ورميته، وروي في غير مسلم بالغين المعجمة وهو بمعنى الإغراء أي يحمل على تحقيق الضرب به ويزين ذلك
*2* باب فضل إزالة الأذى عن الطريق
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سُمَيَ، مَوْلىَ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَىَ الطّرِيقِ، فَأَخّرَهُ. فَشَكَرَ اللّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَرّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَىَ ظَهْرِ طَرِيقٍ. فَقَالَ: وَاللّهِ لأُنَحّيَنّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنّةَ".
حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ. حَدّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلّبُ فِي الْجَنّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطّرِيقِ. كَانَتْ تُؤْذِي النّاسَ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدّثَنَا بَهْزٌ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ شَجَرَةً كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَطَعَهَا. فَدَخَلَ الْجَنّةَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَمعَةَ. حَدّثَنِي أَبُو الوَازِعِ. حَدّثَنِي أَبُو بَرْزَةَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيّ اللّهِ عَلّمْنِي شَيْئاً أَنْتَفِعُ بِهِ. قَالَ "اعْزِلِ الأَذَىَ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَبِي الْوَازِعِ الرّاسِبيّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ أَنّ أَبَا بَرْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّي لاَ أَدْرِي. لَعَسَىَ أَنْ تَمْضِيَ وَأَبْقَىَ بَعْدَكَ. فَزَوّدْنِي شَيْئاً يَنْفَعُنِي اللّهُ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "افْعَلْ كَذَا. افْعَلْ كَذَا (أَبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ) وَأَمِرّ الأَذَىَ عَنِ الطّرِيقِ".
هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق، سواء كان الأذى شجرة تؤذي، أو غصن شوك، أو حجراً يعثر به، أو قذراً أو جيفة وغير ذلك، وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان كما سبق في الحديث الصحيح، وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين وأزال عنهم ضرراً. قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق" أي يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة.
قوله: (عن أبان بن صمعة قال حدثني أبو الوازع) أما أبان فقد سبق في مقدمة الكتاب أنه يجوز صرفه وتركه والصرف أجود وهو قول الأكثرين، وصمعة بصاد مهملة مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم عين مهملة قيل إن أبانا هذا هو والد عتبة الغلام الزاهد المشهور، وأبو الوازع بالعين المهملة اسمه جابر بن عمرو الراسي بكسر السين المهملة وبعدها باء موحدة وهي نسبة إلى بني راسب قبيلة معروفة نزلت البصرة. قوله صلى الله عليه وسلم: "وأمر الأذى عن الطريق" هكذا هو في معظم النسخ، وكذا نقله القاضي عن عامة الرواة بتشديد الراء ومعناه أزله وفي بعضها وأمز بزاي مخففة وهي بمعنى الأول
*2* باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها، من الحيوان الذي لا يؤذي
*حدّثني عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ الضّبَعِيّ. حَدّثَنَا جُوَيْرِيَةُ (يَعْنِي ابْنَ أَسْمَاءَ) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عُذّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرّةٍ. سَجَنَتْهَا حَتّىَ مَاتَتْ. فَدَخَلَتْ فِيهَا النّارَ. لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا. وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
حدّثني هَرُونُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ. جَمِيعاً عَنْ مَعَنِ بْنِ عِيسَىَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمَعْنَىَ حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ.
وحدّثنيهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "عُذّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرّةٍ أَوْثَقَتْهَا. فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
حدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيَ الْجَهْضَمِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَىَ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمثْلِهِ.
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ. حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم"دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النّارَ مِنْ جَرّاءِ هِرّةٍ لَهَا، أَوْ هِرَ. رَبَطَتْهَا فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا. وَلاَ هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرْمِمُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. حَتّىَ مَاتَتْ هَزْلاً".
فيه حديث المرأة وقد سبق شرحه في كتاب قتل الحيات، وسبق هناك أن خشاش الأرض بفتح الخاء المعجمة وضمها وكسرها أي هوامها وحشراتها، وروي على غير هذا مما ذكرناه هناك، ومعنى عذبت في هرة أي بسببها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من جراء هرة" أي من أجلها يمد ويقصر، يقال من جرائك ومن جراك وجريرك وأجلك بمعنى. قوله صلى الله عليه وسلم: "ترمرم من خشاش الأرض" هكذا هو في أكثر النسخ ترمرم بضم التاء وكسر الراء الثانية، وفي بعضها ترمم بضم التاء وكسر الميم الأولى وراء واحدة، وفي بعضها ترمم بفتح التاء والميم أي تتناول ذلك بشفتيها
*2* باب تحريم الكبر
*حدّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيّ. حَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدّثَنَا أَبُو إِسْحَقَ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرّ أَنّهُ حَدّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ وَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعِزّ إِزَارُهُ. وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ. فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذّبْتُهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته" هكذا هو في جميع النسخ، فالضمير في إزاره ورداؤه يعود إلى الله تعالى للعلم به، وفيه محذوف تقديره قال الله تعالى: ومن ينازعني ذلك أعذبه، ومعنى ينازعني يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك، وهذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه، وأما تسميته إزاراً ورداء فمجاز واستعارة حسنة كما تقول العرب: فلان شعاره الزهد ودثاره التقوى، لا يريدون الثوب الذي هو شعار أو دثار بل معناه صفته، كذا قال المازري، ومعنى الاستعارة هنا أن الإزار والرداء يلصقان بالإنسان ويلزمانه وهما جمال له، قال: فضرب ذلك مثلاً لكون العز والكبرياء بالله تعالى أحق وله ألزم واقتضاهما جلاله، ومن مشهور كلام العرب فلان واسع الرداء وغمر الرداء أي واسع العطية
*2* باب باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى
*حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُعَتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ. حَدّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَونِيّ عَنْ جُنْدَبٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَدّثَ: "أَنّ رَجُلاً قَالَ: وَاللّهِ لاَ يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلاَنٍ. وَإِنّ اللّهَ تَعَالَىَ قَالَ: مَنْ ذَا الْمُتَأَلّي عَلَيّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ. فَإِنّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ. وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" أَوْ كَمَا قَالَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى على أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك" معنى يتألى يحلف والالية اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها، واحتجت المعتزلة به في إحباط الأعمال بالمعاصي الكبائر، ومذهب أهل السنة أنها لا تحبط إلا بالكفر، ويتأول حبوط عمل هذا على أنه أسقطت حسناته في مقابلة سيئاته وسمي إحباطاً مجازاً، ويحتمل أنه جرى منه أمر آخر أوجب الكفر، ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا وكان هذا حكمهم
*2* باب فضل الضعفاء والخاملين
*حدّثني سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ الْعلاَءِ بْن عَبْد الرّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رُبّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَىَ اللّهِ لأَبَرّهُ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" الأشعث الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل. ومدفوع بالأبواب أي لا قدر له عند الناس فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه عنهم احتقاراً له، لو أقسم على الله لأبره أي لو حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكراماً له بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيراً عند الناس، وقيل معنى القسم هنا الدعاء وإبراره إجابته والله أعلم
*2* باب النهي من قول: هلك الناس
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيْلِ ابْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَاِلِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا قَالَ الرّجُلُ: هَلَكَ النّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ".
حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقاسِمِ. ح وَحَدّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ. حَدّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ. جَمِيعاً عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ، مِثْلَهُ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" روى أهلكهم على وجهين مشهورين رفع الكاف وفتحها والرفع أشهر، ويؤيده أنه جاء في رواية رويناها في حلية الأولياء في ترجمة سفيان الثوري فهو من أهلكهم، قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: الرفع أشهر ومعناها أشدهم هلاكاً. وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة، واتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح أحوالهم لأنه لا يعلم سر الله في خلقه، قالوا: فأما من قال ذلك تحزناً لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر الدين فلا بأس عليه، كما قال: لا أعرف من أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعاً، هكذا فسره الإمام مالك وتابعه الناس عليه. وقال الخطابي معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه خير منهم والله أعلم
*2* باب الوصية بالجار والإحسان إليه
*حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ وَ مُحَمّدُ بْنُ رُمْحٍ عَنِ اللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَبْدَةُ وَ يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ. كُلّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى (وَاللّفْظُ لَهُ). حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ (يَعْنِي الثّقَفِيّ). سَمِعْتُ يَحْيى بْنَ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ (وَهُوَ ابْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) أَنّ عَمْرَةَ حَدّثَتْهُ أَنّهَا سَمِعْتَ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتّىَ ظَنَنْتُ أَنّهُ لَيُوَرّثَنّهُ".
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. حَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثني عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيّ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتّىَ ظَنَنْتُ أَنّهُ سَيُوَرّثُهُ".
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللّفْظُ لإِسْحَقَ (قَالَ: أَبُو كَامِلٍ: حَدّثَنَا. وَقَالَ: إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصّمَدِ الْعَمّيّ. حَدّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَونِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا ذَرَ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ. حَدّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ قَالَ: إِنّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم أَوْصَانِي: "إِذَا طَبَخْتَ مَرَقاً فَأَكْثِرْ مَاءَهُ. ثُمّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ".
في هذه الأحاديث الوصية بالجار وبيان عظم حقه وفضيلة الإحسان إليه.
وفي الحديث: (فأصبهم منه بمعروف) أي أعطهم منه شيئاً
*2* باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء
*حدّثني أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ. حَدّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدّثَنَا أَبُو عَامِرٍ (يَعْنِي الْخَزّازَ) عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ. قَالَ: قَالَ لِي النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحْقِرَنّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أَنْ تَلْقَىَ أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" روى طلق على ثلاثة أوجه: إسكان اللام وكسرها وطليق بزيادة ياء ومعناه سهل منبسط. فيه الحث على فضل المعروف وما تيسر منه وإن قل حتى طلاقة الوجه عند اللقاء
*2* باب استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا عَلِيّ بْنُ مُسْهِرٍ وَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي موسَىَ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَىَ جُلَسَائِهِ فَقَالَ: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا. وَلْيَقْضِ اللّهُ عَلَىَ لِسَانِ نَبِيّهِ مَا أَحَبّ".
فيه استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة، سواء كانت الشفاعة إلى سلطان ووال ونحوهما أم إلى واحد من الناس، وسواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو في تخليص عطاء لمحتاج أو نحو ذلك. وأما الشفاعة في الحدود فحرام، وكذا الشفاعة في تتميم باطل أو إبطال حق ونحو ذلك فهي حرام
*2* باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ جَدّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْعلاَءِ الْهَمْدَانِيّ (وَاللّفْطُ لَهُ). حَدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصّالِحِ وَالْجَلِيسِ السّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ. فَحَامِلُ الْمِسْكِ، إِمّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ، إِمّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً".
فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. ومعنى (يحذيك) يعطيك وهو بالحاء المهملة والذال، وفيه طهارة المسك واستحبابه وجواز بيعه، وقد أجمع العلماء على جميع هذا ولم يخالف فيه من يعتد به، ونقل عن الشيعة نجاسته والشيعة لا يعتد بهم في الإجماع، ومن الدلائل على طهارته الإجماع وهذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "وإما أن يبتاع منه" والنجس لا يصح بيعه، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمله في بدنه ورأسه ويصلي به ويخبر أنه أطيب الطيب، ولم يزل المسلمون على استعماله وجواز بيعه، قال القاضي: وما روي من كراهة العمرين له فليس فيه نص منهما على نجاسته ولا صحت الرواية عنهما بالكراهة بل صحت قسمة عمر بن الخطاب المسك على نساء المسلمين والمعروف عن ابن عمر استعماله والله أعلم
*2* باب فضل الإحسان إلى البنات
*حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُهْزَاذَ. حَدّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللّهِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. ح وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ وَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ (وَاللّفْظُ لَهُمَا) قَالاَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزّهْرِيّ. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا. فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئاً غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ. فَأَعْطَيْتُهَا إِيّاهَا. فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا. وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئاً. ثُمّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا. فَدَخَلَ عَلَيّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَحَدّثْتُهُ حَدِيثَهَا. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنّ، كُنّ لَهُ سِتْراً مِنَ النّارِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهَادِ أَنّ زِيَادَ ابْنَ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَىَ ابْنِ عَيّاشٍ. حَدّثَهُ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ. سَمِعْتُهُ يُحَدّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا. فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ. فَأَعْطَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً. وَرَفَعَتْ إِلَىَ فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلُهَا. فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا. فَشَقّتِ التّمْرَةَ، الّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا، بَيْنَهُمَا. فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا. فَذَكَرْتُ الّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: "إِنّ اللّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنّةَ. أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النّارِ".
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتّىَ تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ" وَضَمّ أَصَابِعَهُ.
في هذه الأحاديث فضل الإحسان إلى البنات والنفقة عليهن والصبر عليهن وعلى سائر أمورهن. قوله: (ابن بهرام) هو بفتح الباء وكسرها. قوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتلي من البنات بشيء" إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة قال الله تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم}.
قوله: (أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش حدثه عن عراك) هو عياش بالمثناة والشين المعجمة وهو زياد بن أبي زياد، واسم أبي زياد ميثرة المدني المخزومي مولى عبد الله بن عياش بالمعجمة ابن أبي ربيعة بن المغيرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه" ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما مأخوذ من العول وهو القرب، ومنه ابدأ بمن تعول، ومعناه جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين
*2* باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَىَ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسّهُ النّارُ، إِلاّ تَحِلّةَ الْقَسَمِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. ح وَحَدّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَ ابْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاَهُمَا عَنِ الزّهْرِيّ. بِإِسْنَادِ مَالِكٍ. وَبِمَعْنَىَ حَدِيثِهِ. إِلاّ أَنّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ. "فَيَلِجَ النّارَ إِلاّ تَحِلّةَ الْقَسَمِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ: "لاَ يَمُوتُ لإِحْدَاكُنّ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ، إِلاّ دَخَلَتِ الْجَنّةَ". فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنّ: أَوِ اثْنَيْنِ؟ يَا رَسُولَ اللّه قَالَ "أَوِ اثْنَيْنِ".
حدّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيّ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ، حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ ذَهَبَ الرّجَالُ بِحَدِيثِكَ. فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْماً نَأْتِيكَ فِيهِ. تُعَلّمُنَا مِمّا عَلّمَكَ اللّهُ. قَالَ "اجْتَمِعْنَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا". فَاجْتَمَعْنَ. فَأَتَاهُنّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلّمَهُنّ مِمّا عَلّمَهُ اللّهُ. ثُمّ قَالَ: "مَا مِنْكُنّ مِنِ امْرَأَةٍ تُقَدّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا، مِنْ وَلَدِهَا، ثَلاَثَةً، إِلاّ كَانُوا لَهَا حِجَاباً مِنَ النّارِ". فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَيْنِ. وَاثْنَيْنِ. وَاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاثْنَيْنِ. وَاثْنَيْنِ. وَاثْنَيْنِ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدّثَنَا أَبِي. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيّ، فِي هَذَا الاْسْنَادِ، بِمِثْلِ مَعْنَاهُ. وَزَادَا جَمِيعاً عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيّ. قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يُحَدّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "ثَلاَثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ".
حدّثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَىَ (وَتَقَارَبَا فِي اللّفْظِ) قَالاَ: حَدّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي السّلِيلِ، عَنْ أَبِي حَسّانَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ. فَمَا أَنْتَ مُحَدّثِي عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ تُطَيّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: قَالَ: نَعَمْ. "صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنّةِ يَتَلَقّىَ أَحَدُهُمْ أَبَاهُ أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ ، فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ، أَوْ قَالَ بِيَدِهِ ، كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا. فَلاَ يَتَنَاهَىَ، أَوْ قَالَ فَلاَ يَنْتَهِي ، حَتّىَ يُدْخِلَهُ اللّهُ وَأَبَاهُ الْجَنّةَ". وفِي رِوَايَةِ سُوَيْدٍ قَالَ: حَدّثَنَا أَبُو السّلِيلِ. وَحَدّثَنِيهِ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَحْيَىَ (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ) عَنْ التّيْمِيّ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. وَقَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً تُطَيّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ (وَاللّفْظُ لاِءَبِي بَكْرٍ). قَالُوا: حَدّثَنَا حَفْصٌ (يَعْنُونَ ابْنَ غِيَاثٍ). ح وَحَدّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدّثَنَا أَبِي عَنْ جَدّهِ، طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيَ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ اللّه ادْعُ اللّه لَهُ. فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلاَثَةً. قَالَ "دَفَنْتِ ثَلاَثَةً؟" قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ "لَقَدِ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النّارِ".
قَالَ عُمَرُ، مِنْ بَيْنِهِمْ: عَنْ جَدّهِ. وَقَالَ الْبَاقُونَ: عَنْ طَلْقٍ. وَلَمْ يَذْكُرُوا الْجَدّ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ طَلْقِ بْنِ مُعاوِيَةَ النّخْعَيّ، أَبِي غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لَهَا. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنّهُ يَشْتَكِي. وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْهِ. قَدْ دَفَنْتُ ثَلاَثَةً. قَالَ "لَقَدِ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النّارِ".
قَالَ زُهَيْرٌ: عَنْ طَلْقٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْكُنْيَةَ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" قال العلماء: تحلة القسم ما ينحل به القسم وهو اليمين، وجاء مفسراً في الحديث أن المراد قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} وبهذا قال أبو عبيد وجمهور العلماء، والقسم مقدر أي والله إن منكم إلا واردها، وقيل المراد قوله تعالى: {فوربك لنحشرنهم والشياطين} وقال ابن قتيبة: معناه تقليل مدة ورودها، قال: وتحلة القسم تستعمل في هذا في كلام العرب، وقيل تقديره ولا تحلة القسم أي لا تمسه أصلاً ولا قدراً يسيراً كتحلة القسم، والمراد بقوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} المرور على الصراط وهو جسر منصوب عليها وقيل الوقوف عندها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة من الولد ثم سئل عن الاثنين" فقال واثنين محمول على أنه أوحى به إليه صلى الله عليه وسلم عند سؤالها أو قبله وقد جاء في غير مسلم وواحداً.
قوله: (لم يبلغوا الحنث) أي لم يبلغوا سن التكليف الذي يكتب في الحنث وهو الإثم.
قوله: (صغارهم دعاميص الجنة) هو بالدال والعين والصاد المهملات واحدهم دعموص بضم الدال أي صغار أهلها، وأصل الدعموص دويبة تكون في الماء لا تفارفه أي إن هذا الصغير في الجنة لا يفارقها. وقوله: (بصنفة ثوبك) هو بفتح الصاد وكسر النون وهو طرفه ويقال لها أيضاً صنيفة. قوله: (فلا يتناهى) أو قال ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة. يتناهى وينتهي بمعنى أي لا يتركه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد احتظرت بحظار شديد من النار" أي امتنعت بمانع وثيق، وأصل الحظر المنع، وأصل الحظار بكسر الحاء وفتحها ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط، وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيهم إجماع المسلمين. وقال المازري: أما أولاد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فالإجماع متحقق على أنهم في الجنة، وأما أطفال من سواهم من المؤمنين فجماهير العلماء على القطع لهم بالجنة، ونقل جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة قطعاً لقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} وتوقف بعض المتكلمين فيها وأشار إلى أنه لا يقطع لهم كالمكلفين والله أعلم
*2* باب إِذَا أَحَب اللّه عبداً، حببه إلى عباده
*حدّثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ اللّهَ، إِذَا أَحَبّ عَبْداً، دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنّي أُحِبّ فُلاَناً فَأَحِبّهُ. قَالَ: فَيُحِبّهُ جِبْرِيلُ. ثُمّ يُنَادِي فِي السّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنّ اللّه يُحِبّ فُلاَناً فَأَحِبّوهُ. فَيُحِبّهُ أَهْلُ السّمَاءِ. قَالَ: ثُمّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنّي أُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضْهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ. ثُمّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السّمَاءِ: إِنّ اللّهَ يُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضُوهُ. قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ. ثُمّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ".
حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْقَارِيّ). وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي الدّرَاوَرْدِيّ). ح وَحَدّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيّبِ. ح وَحَدّثَنِي هَرُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيّ. حَدّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدّثَنِي مَالِكٌ (وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ). كُلّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الاْسْنَادِ. غَيْرَ أَنّ حَدِيثَ الْعلاَءِ بْنِ الْمُسَيّبِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُغْضِ.
حدّثني عَمْرٌو النّاقِدُ. حَدّثَنَا يَزِيْدُ بْنُ هَرُونَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، الْمَاجِشُونُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ. قَالَ: كُنّا بِعَرَفَةَ. فَمَرّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَىَ الْمَوْسِمِ. فَقَامَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَتِ إِنّي أَرَىَ اللّه يُحِبّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبّ فِي قُلُوبِ النّاسِ. فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ سَمِعْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُهَيْلٍ.
وذكر في البغض نحوه. قال العلماء: محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته وبغضه إرادة عقابه أو شقاوته ونحوه، وحب جبريل والملائكة يحتمل وجهين: أحدهما: استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم. والثاني: أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياقه إلى لقائه وسبب حبهم إياه كونه مطيعاً لله تعالى محبوباً له، ومعنى يوضع له القبول في الأرض أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه فتميل إليه القلوب وترضى عنه، وقد جاء في رواية فتوضع له المحبة. قوله: (وهو على الموسم) أي أمير الحجيج
*2* باب الأرواح جنود مجنّدة
*حدّثنا قتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ) عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ. فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ. وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ".
حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ. حَدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ. حَدّثَنَا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. بِحَدِيثٍ يَرْفَعُهُ. قَالَ: "النّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضّةِ وَالذّهَبِ. خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا. وَالأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنّدَةٌ. فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ. وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" قال العلماء: معناه جموع مجتمعة أو أنواع مختلفة، وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه، وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها، وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها، فمن وافق بشيمه ألفه ومن باعده نافره وخالفه. وقال الخطابي وغيره: تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة في المبتدأ وكانت الأرواح قسمين متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه، فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الأشرار والله أعلم
*2* باب المرء مع من أحب
*حدّثنا عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنّ أَعْرَابِيّا قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: مَتَىَ السّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" قَالَ: حُبّ اللّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ عَمْرٌو النّاقِدُ وَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَ ابنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللّفْظُ لِزُهَيْرٍ). قَالُوا: حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزّهْرِيّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَتَى السّاعَةُ؟ قَالَ "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" فَلَمْ يَذْكُرْ كَبِيراً. قَالَ: وَلَكِنّي أُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ "فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
حَدّثَنِيهِ مُحَمّدُ بْنُ رَافِعٍ وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (قَالَ عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدّثَنَا) عَبْدُ الرّزّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزّهْرِيّ. حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَىَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنّهُ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَبِيرٍ أَحْمَدُ عَلَيْهِ نَفْسِي.
حدّثني أَبُو الرّبِيعِ الْعَتَكِيّ. حَدّثَنَا حَمّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ). حَدّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَتَى السّاعَةُ؟ قَالَ "وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسّاعَةِ؟" قَالَ: حُبّ اللّهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ "فَإِنّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَرَحاً أَشَدّ مِنْ قَوْلِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ. وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ. وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ.
حدّثناه مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيّ. حَدّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. حَدّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَنَسٍ: فَأَنَا أُحِبّ. وَمَا بَعْدَهُ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ. حَدّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قال: بَيْنَمَا أَنَا وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم خَارِجَيْنِ مِنَ الْمَسْجِدِ. فَلَقِينَا رَجُلاً عِنْدَ سُدّةِ الْمَسْجِدِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَتَىَ السّاعَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟" قَالَ: فَكَأَنّ الرّجُلَ اسْتَكَانَ. ثُمّ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلاَةٍ وَلاَ صِيَامٍ وَلاَ صَدَقَةٍ. وَلَكِنّي أُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: "فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".
حدّثني مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْيَشْكُرِيّ. حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ. أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِنَحْوِهِ.
حدّثنا قُتَيْبَةُ. حَدّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. سَمِعْتُ أَنَساً. ح وَحَدّثَنَا أَبُو غَسّانَ الْمِسْمَعِيّ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. قَالاَ: حَدّثَنَا مُعَاذٌ (يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ). حَدّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْحَدِيثِ.
حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (قَالَ إِسْحَقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ: حَدّثَنَا) جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، كَيْفَ تَرَىَ فِي رَجُلٍ أَحَبّ قَوْماً وَلَمّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ".
حدّثنا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى وَ ابْنُ بَشّارٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي. ح وَحَدّثَنِيهِ بِشْرُ ابْنُ خالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمّدٌ (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ). كِلاَهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو الْجَوّابِ. حَدّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ. جَمِيعاً عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ.
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو كُرَيْبٍ. قَالاَ: حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح وَحَدّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَ مُحَمّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مُوسَىَ، قَالَ: أَتَىَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنِ الأَعْمَشِ.
قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن الساعة: "ما أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت" وفي روايات: "المرء مع من أحب". فيه فضل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والصالحين وأهل الخير الأحياء والأموات، ومن فضل محبة الله ورسوله امتثال أمرهما واجتناب نهيهما والتأدب بالاَداب الشرعية، ولا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يعمل عملهم إذ لو عمله لكان منهم ومثلهم، وقد صرح في الحديث الذي بعد هذا بذلك فقال: أحب قوماً ولما يلحق بهم، قال أهل العربية: لما نفي للماضي المستمر فيدل على نفيه في الماضي وفي الحال بخلاف لم فإنها تدل على الماضي فقط، ثم إنه لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته وجزاؤه مثلهم من كل وجه. قوله: (ما أعددت لها كثير) ضبطوه في المواضع كلها من هذه الأحاديث بالثاء المثلثة وبالياء الموحدة وهما صحيحان. وقوله: (ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة) أي غير الفرائض معناه ما أعددت لها كثير نافلة من صلاة ولا صيام ولا صدقة. قوله: (عند سدة المسجد) هي الظلال المسقفة عند باب المسجد.
قوله: (حدثنا سليمان بن قرم) هو بفتح القاف وإسكان الراء وهو ضعيف لكن لم يحتج به مسلم بل ذكره متابعة، وقد سبق أنه يذكر في المتابعة بعض الضعفاء والله أعلم
*2* باب إذا أُثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره
*حدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَىَ التّمِيمِيّ وَ أَبُو الرّبِيعِ وَ أَبُو كَامِلٍ، فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَاللّفْظُ لِيَحْيَىَ (قَالَ يَحْيَىَ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَانِ: حَدّثَنَا) حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرَ. قال: قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ الرّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَىَ الْمُؤْمِنِ".
حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ وَكِيعٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ. حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى. حَدّثَنِي عَبْدُ الصّمَدِ. ح وَحَدّثَنَا إِسْحَقُ. أَخْبَرَنَا النّضْرُ. كُلّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَونِيّ. بِإِسْنَادِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أَنّ فِي حَدِيثِهِمْ عَنْ شُعْبَةَ، غَيْرَ عَبْدِ الصّمَدِ: وَيُحِبّهُ النّاسُ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الصّمَدِ. وَيَحْمَدُهُ النّاسُ. كَمَا قَالَ حَمّادٌ.
قوله: (أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن) وفي رواية: (ويحبه الناس عليه) قال العلماء: معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث ثم يوضع له القبول في الأرض، هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم.

إرسال تعليق

 
Top