Latest News

0
في طعام أهل النار
قال تعالى: (مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ){البقرة:174} وقال تعالى: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ* لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ){الغاشية:6-7}.والضريع:نوعٌ من الشوك لا تأكله الدوابُّ لخبثه.
وقال تعالى : ( فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِئُونَ){الحاقة:35-37} قال ابن عباس: الغسلين:الدم والماء والصديد الذي يسيل من لحومهم.
وقال تعالى: ( إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً* وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً( {المزمل:12-13} ومعنى (طعاماً ذا غصة) قال ابن عباس:شوكٌ يأخذ بالحلق,لا يدخل ولا يخرج.
وقال تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَـــا الضَّـــالُّونَ المُكَذِّبُون َ*  لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ( {الواقعة:51-52}.
وقد وصف الله تعالى شجرة الزقوم في قوله تعالى : ( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُونَ({الصافات:64-66}.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَن ّرَسُولَ اللَّهِ r  تَلا هَذِهِ الآيَةَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي بِحَارِ الأَرْضِ لَفَسَدَتْ ، وَفِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ : لأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُونُ طَعَامَهُ ؟[1]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  ، قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي الأَرْضِ لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَائِشَهُمْ ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامُهُ ؟ هَذَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَبُو يَعْقُوبَ الْحَنْظَلِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ "[2]
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ ، حَتَّى يَعْدِلَ عِنْدَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ ، قَالَ : فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِالضَّرِيعِ ، لاَ يُسْمِنُ ، وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ، فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الْغَصَصَ بِالشَّرَابِ ، فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِمَاءٍ مِنْ حَمِيمٍ فِي كَلاَلِيبَ مِنْ حَدِيدٍ ، فَإِذَا أَدْنَوْهُ إِلَى وُجُوهِهِمْ شَوَى وُجُوهَهُمْ فَإِذَا أَدْخَلُوهُ بُطُونَهُمْ قَطَّعَ مَا فِي بُطُونِهِمْ ، قَالَ : فَيُنَادُونَ : {اُدْعُوَا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} ، قَالَ : فَيُجَابُونَ : {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ، قَالُوا بَلَى ، قَالُوا فَادْعُوَا ، وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : نَادُوْا مَالِكًا ، فَيُنَادُونَ : {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك} ، قَالَ : فَأَجَابَهُمْ : {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} قَالَ : فَيَقُولُونَ : اُدْعُوَا رَبَّكُمْ ، فَلاَ شَيْءَ أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} ، قَالَ : فَيُجِيبُهُمْ : {اِخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونَ} ، قَالَ : فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ ، وَيَأْخُذُونَ فِي الْوَيْلِ ، وَالشَّهِيقِ ، وَالثُّبُورِ. "[3]
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  : " يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ ، حَتَّى يَعْدِلَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ ، فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ ، فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانَ يُجِيزُونَ الْغُصَصَ فِي الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ ، فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلَالِيبِ الْحَدِيدِ ، فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ ، وَإِذَا دَخَلَتْ فِي بُطُونِهِمْ قَطَّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ ، فَيَقُولُونَ : ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ " ، قَالَ : " فَيَدْعُونَ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ : أَنِ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ، فَيَقُولُونَ : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالُوا : فَادْعُوا ، وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ " ، قَالَ : " فَيَقُولُونَ : ادْعُوا مَالِكًا ، فَيَدْعُونَ مَالِكًا فَيَقُولُونَ : يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ " ، قَالَ : " فَيُجِيبُهُمْ : إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ " قَالَ الْأَعْمَشُ : أُنْبِئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ أَلْفَ عَامٍ ، قَالَ : " فَيَقُولُونَ : ادْعُوا رَبَّكُمْ ، فَلَا أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ، وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا ، فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ " ، قَالَ : " فَيُجِيبُهُمْ : اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ " ، قَالَ : " فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذُوا مِنَ الزَّفِيرِ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَيْلِ " [4]
الغصة : ما اعترض في الحلق من طعام أو شراب - الحميم : الماء الحار - الكلّوب : حديدة معوجة الرأس ، والجمع كلاليب
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} (13) سورة المزمل، قَالَ : شَوْكٌ يَأْخُذُ بِالْحَلْقِ ، لَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ ، وَفِي قَوْلِهِ : {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا} (14) سورة المزمل، قَالَ : الْمَهِيلُ الَّذِي إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ شَيْئًا تَبِعَكَ آخِرُهُ ، وَالْكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ " [5].
وأهل النار قد يكون طعامهم ما ذكر في الآيات السابقة:الضريع والغسلين والزقوم والنار جميعًا,وقد يكون المعذبون طبقــات فمنهم من يأكل الضريع ومنهم من يأكل الغسلين ومنهم من يأكل الزقوم, كلٌّ بحسب حاله ومنزلته.
ـــــــــــــــ
لباس أهل النار
قال تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ) {الحج:19}
فَأَمَّا الكَافِرُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أُعِدَّتْ لهُمْ نِيرانٌ تُحيطُ بِهِمْ وَكَأَنَّها مُقَطَّعَاتٌ مِنَ الثِّيَابِ قُدَّتْ عَلَى قَدْرِ أَجْسَادِهِمْ ، وَيُصَبُّ المَاءُ الشَّدِيدُ الحَرَارَةِ فَوْقَ رُؤُسِهِمْ فَيَشْوِي وُجُوهَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ ، وَيُذِيبُ أَمْعَاءَهُم.
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ النَّبِىَّ -r - قَالَ « مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ »[6].
الحجزة : معقد الإزار والسراويل
وعَنْ هُبَيْبٍ الْغِفَارِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَنْ وَطِئَ عَلَى إِزَارِهِ خُيَلاَءَ وَطِئَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ »[7].
وهــذا الحديث يبين معنى ما رواه البخــاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r  - قَالَ « مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِى النَّارِ » [8].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن عَقِيلٍ , قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ , يَقُولُ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ r  قُبْطِيَّةً , وَكَسَى أُسَامَةَ بن زَيْدٍ حُلَّةً سِيَرَاءَ , فَنَظَرَ فَرَآنِي أَسْبَلْتُ فَجَاءَ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِي , فَقَالَ:يَا ابْنَ عُمَرَ كُلُّ شَيْءٍ يَمَسُّ الأَرْضَ مِنَ الثِّيَابِ فِي النَّارِ, فَرَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَأْتَزِرُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ .[9]
فَعَلَى هَذَا لَا مَانِع مِنْ حَمْل الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره ، وَيَكُون مِنْ وَادِي ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه حَصَب جَهَنَّم ) ، أَوْ يَكُون فِي الْوَعِيد لِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَة إِشَارَة إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْمَعْصِيَة أَحَقّ بِذَلِكَ [10].
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى حُلَّةً مِنَ النَّارِ إِبْلِيسُ فَيَضَعُهَا عَلَى حَاجِبِهِ وَيَسْحَبُهَا وَهُوَ يَقُولُ يَا ثُبُورَاهُ وَذُرِّيَّتُهُ خَلْفَهُ وَهُمْ يَقُولُونَ يَا ثُبُورَهُمْ حَتَّى يَقِفَ عَلَى النَّارِ وَيَقُولُ يَا ثُبُورَاهُ وَيَقُولُونَ يَا ثُبُورَهُمْ فَيُقَالُ {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} (14) سورة الفرقان »[11]. الثبور : الهلاك
وقد وصف الله تعالى سرابيل أهل النار في قوله تعالى : ( وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وَجُوهَهُمُ النَّارُ){ابراهيم:49-50}.
قال ابن عباس-في قوله تعالى (قطران)-:هو النحاس المذاب. وقال الحسن:قطران الإبل, يعنى: مــــا يُطلى به الجمل الأجرب, فيكون المعنى- على ذلك- أنَّ قمصانهم (ملابسهم) من قطران تُطلى به جلــودهم حتى يعود هذا الطلاء كالسرابيل, وخصَّ القطران لسرعة اشتعال النار فيه, مع نتن رائحته ووحشة لونه[12]
وعن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -r - قَالَ :« النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ »[13].
ـــــــــــــــ
فراش أهل النار, وغطاؤهم
قال تعالى : (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) {الأعراف:41}.
وَلَهُمْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فُرُشٌ مِنْ تَحْتِهِمْ ( مِهَادٌ ) ، وَلَهُمْ مِنْهَا أَغْطِيَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ تُغَطِّيهِمْ ( غَوَاشٍ ) . وَبِمِثْلِ هَذَا الجَزَاءِ يَجْزِي اللهُ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ ، المُضِلِّينَ لِلْنَّاسِ .
ومقصود الآية:أنهم يفترشون النار, ويلتحفون بألحفةٍ من النار,والعياذ بالله.
وقال تعالى: (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) {الزمر:16}
يَصِفُ اللهُ تَعَالَى حَالَ هَؤُلاَءِ الخَاسِرِينَ وَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيَقُولُ : إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِيهَا ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ طَبَقَاتٌ مُتَرَاكِمَةٌ مِنَ النَّارِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، وَكَأَنَّهَا الظُّلَلُ ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ طَبَقَاتٌ مِثْلُهَا ، فَتَغْمُرُهُمْ النَّارُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُصُّ عَلَى النَّاسِ مَا سَيَكُونُ عَلَيْهِ حَالُ الكُفَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُخَوِّفَهُمْ مِنْ أَهْوَالِ ذَلِكَ اليومِ ، فَيَزْدَجِرَ العُقَلاَءُ عَنِ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَيَعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللهِ ، فَيَا عِبَادَ الله اتَّقُوا رَبَّكُمْ تَعَالَى ، وَبَالِغُوا فِي الخَوْفِ والحَذَرِ ، وَلاَ تَرْتَكِبُوا مَا يُسْخِطُ رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ .
وحتى لا يتوهم أحدٌ أنَّ هذه الظلل المذكورة تقي من الحر والعذاب قال(ظللٌ من النار) فهي ظللٌ مُحرِِقة ,كما في قوله تعالى: (انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ) {المرسلات:30-31}
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلِّ دُخَانِ نَارِ جَهَنَّمَ المُتَشَعِّبِ إِلَى ثَلاَثِ شُعَبٍ : شُعْبَةٍ عَنْ يَمِينِهِمْ ، وَشُعْبَةٍ عَنْ شِمَالِهِمْ ، وَشُعْبَةٍ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمْ .وَهَذَا الظِّلُّ لَيْسَ بِظَلِيلٍ ، أَيْ إِنَّهُ لاَ يُعْطِي ظِلاًّ يَقِي مِنْ حَرِّ ذَلِكَ اليَوْمِ ، وَلاَ يَدْفَعُ عَنْهُمْ حَرَّ لَهَبِ جَهَنَّمَ ، الذِي هُمْ مُقِيمُونَ فِيهِ . وَنَارُ جَهَنَّمَ ، التِي تُحْدِثُ هَذَا الظِّلَّ مِنَ الدُّخَانِ ، يَتَطَايَرُ مِنْهَا شَرَرٌ مُتَفَرِّقٌ فِي جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ ، كَأَنَّهُ القَصْرُ عِظَما وَارْتِفَاعاً . وَكَأَنَّهُ الجِمَالُ الصُّفْرُ لَوْناً وَكَثرَةً . ( وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ مَعْنَى ( جِمَالَةٌ صُفْرٌ ) هُوَ حِبَالُ السُّفُنِ الغَلِيظَةِ ) .
ـــــــــــــــ
في عظم أهل النار وقبحهم فيها
  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه ، قَالَ : " أَهْلُ النَّارِ مُكَبَّلُونَ بِأَصْفَادِ النَّارِ ، مُعَلَّقُونَ بِشَجَرٍ فِي النَّارِ ، مُنَكَّسُونَ الْحَمِيمُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ فِي بُطُونِهِمْ ، وَيَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَعُيُونِهِمْ ، وَإِنَّ جُلُودَهُمْ لَتُقَطَّرُ بِصُهَارَةِ الْحَمِيمِ ، خَالِدِينَ فِيهَا ، لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أُخْرِجَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الدُّنْيَا ، لَمَاتَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْ وَحْشَةِ مَنْظَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ " ثُمَّ بَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بُكَاءً شَدِيدًا "[14]
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - r  - قَالَ « مَا بَيْنَ مَنْكِبَىِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ »[15]
المنكب مجتمع رأس الكتف والعضد
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةَ ثَلاَثٍ مِثْلُ الرَّبَذَةِ »[16].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ »[17].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ »[18].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r  قَالَ : غِلَظُ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ.[19]
الْجَبَّارُ مَلِكٌ بِالْيَمَنِ ، يُقَالُ لَهُ : الْجَبَّارُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r  - : " ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مِثْلُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ " [20].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إِنَّ الْكَافِرَ لَيُسْحَبُ لِسَانُهُ الْفَرْسَخَ وَالْفَرْسَخَيْنِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ.[21]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  : " إِنَّ الْكَافِرَ لَيَجُرُّ لِسَانَهُ فِي سِجِّينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ "[22] 
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - r  - قَالَ : " يُعَظَّمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ ، حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ ، وَإِنَّ عِظَمَ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَإِنَّ جِلْدَهُ مِثْلُ أُحُدٍ " [23]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن ِالنَّبِيِّ r  ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ، قَالَ : يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، قَالَ : وَيُبَيِّضُ وَجْهُهُ ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلأْلأُ ، قَالَ : فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ ، قَالَ : فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ ، فَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ائْتِنَا بِهِ وَبَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرُوا ، إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ ، وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا ، عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذَا ، اللَّهُمَّ لاَ تَأْتِنَا بِهِ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِمْ ، فَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ أَخِّرْهُ ، قَالَ : فَيَقُولُ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ ، فَإِنَّ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا "[24]
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - قَالَ « مَقْعَدُ الْكَافِرِ فِى النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَكُلُّ ضِرْسٍ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ وَجِلْدُهُ سِوَى لَحْمِهِ وَعِظَامِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً. »[25]
وعَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي أَنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ ، وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا أَوْدِيَةَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ ، قُلْتُ لَهُ : أَنْهَارٌ ؟ قَالَ : لاَ ، بَلْ أَوْدِيَةٌ ، ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ ؟ قُلْتُ : لاَ ، قَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ مَا تَدْرِي ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ r  عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ، قُلْتُ : فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ "[26] .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَن ْرَسُولِ اللَّهِ r  : وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ، قَالَ : تَشْوِيهِ النَّارُ ، فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا ، حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَبْلُغَ سُرَّتَهُ " [27].
وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ أُقَيْشٍ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r  ، قَالَ : إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَعْظُمُ لِلنَّارِ ، حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُضَرَ.[28]
وَعَنْ أَبِي غَسَّانَ الضَّبِيِّ قَالَ : خَرَجْتُ أَمْشِي مَعَ أَبَى بِظَهْرِ الْحَرَّةِ ، فَلَقِيَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ : أَبِي . قَالَ : لَا تَمْشِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَكِنِ امْشِ خَلْفَهُ أَوْ إِلَى جَانِبِهِ ، وَلَا تَدَعْ أَحَدًا يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، وَلَا تَمْشِ فَوْقَ إِجَارٍ أَبُوكَ تَحْتَهُ ، وَلَا تَأْكُلْ مَا قَدْ نَظَرَ أَبُوكَ إِلَيْهِ لَعَلَّهُ قَدِ اشْتَهَاهُ . ثُمَّ قَالَ : أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خِدَاشٍ ؟ قُلْتُ : لَا . قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r  - يَقُولُ : " فَخَدُّهُ فِي جَهَنَّمَ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ " . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقُلْتُ : وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " كَانَ عَاقًّا لِوَالِدَيْهِ "[29] .
- بظهر البلدة أو المكان : على أطرافه -الإجار : السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه - العقوق : الاستخفاف بالوالدين وعصيانهما وترك الإحسان إليهما
ـــــــــــــــ
أصناف أخرى من العذاب
يوجد للمعذبين في النار أصناف متعددة من العذاب-غير ما ذكرنا- ومنها:
*تبديل جلودهم كلما نضجت.قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُــوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُـــوا العَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَــانَ عَـزِيزاً حَكِيماً) {النساء:56}.
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى : بِأَنَّهُ سَيُعَاقِبُ الكَافِرِينَ بِآيَاتِ اللهِ وَبِرُسُلِهِ ، بِإِحْرَاقِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَكُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ أَبْدَلَهُمْ غَيْرَها لِيَسْتَمِرُّوا فِي تَحَسُّسِ العَذَابِ وَآلامِهِ ، وَاللهُ عَزِيزٌ لاَ يَتَحَدَّاهُ أَحَدٌ ، حَكِيمٌ فِي تَصَرُّفِهِ ، يَعْرِفُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعُقُوبَةِ فَيُعَاقِبُهُ ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْثَّوَابِ فَيُثِيبُهُ .
قال الحسن: تأكلهم النــار كل يوم ٍسبعين ألـف مرةٍ , كلما أكلتهم قيل لهم:عــودوا, فيعودون كما كانوا.[30]
* يضربون بمطارق من حديد, فتتفتت أبدانهم, ثم يعودون,قال تعالى: (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) {الحج:21}.
 * تقييدهم بالقيود والأغلال, وسحبهم على وجوههم.قال تعالى: (إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ* فِي الحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) {غافر:71-72}.
إِذ تُجْعَلُ الأَغْلاَلُ والسَّلاَسِلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَيُسْحَبُونَ بِهَا يُسْحَبُونَ - يُجَرُّونَ . وَيُسْحَبُونَ بالسَّلاَسِلِ فِي النَّارِ ، والأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، ثُمَّ تُمْلأُ بِهِم النَّارُ لِيَكُونُوا وَقُوداً لَهَا .
*ومنهم من يعذبُ بالصعود إلى أعلى النار, ثم يهوي فيها,قال تعالى: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودا) {المدثر:17}.
سُنُنْزِلُ بِهِ عَذَاباً شَاقّاً ، يُرهِقُهُ وَلاَ يُطِيقُهُ ، فَيَكُونُ حَالُهُ حَالَ مَنْ يُكَلَّفُ صُعُودَ جَبَلٍ وَعْرٍ شَائِكٍ .وَقِيلَ إِنَّهُ سَيُكَلِّفُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صُعُودَ جَبَلٍ مِنْ نَارٍ فِي جَهَنَّمَ  .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا »[31].
يتحسى : يشرب ويتجرع -يتوجأ : يطعن
 * ومنهم من يدور في النار,ويجر أمعاءه معه, فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قِيلَ لَهُ أَلاَ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتُرَوْنَ أَنِّى لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلاَ أَقُولُ لأَحَدٍ يَكُونُ عَلَىَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ».[32]
الأَقتاب : جمع القتب وهو الأمعاء.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r  - « رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِىَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِى النَّارِ ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ[33]  القُصب : الأمعاء
* ومنهم من يُلقى في مكانٍ ضيق ٍلا يتمكن فيه من الحركة قال تعالى : (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)  [الفرقان/12-15])
 وإذَا أصْبَحَتْ جَهَنَّمُ مِنْهُمْ عَلَى مَرَأى النَّظَرِ ، وَهُمْ فِي المحشَرِ ، بَعِيدُونَ عَنْهَا ، سَمِعُوا لَهَا صَوْتاً يُشْبِهُ صَوْتَ المَغِيظِ المُحْنَقِ ، لِشِدَّةِ تَوقُّدِهَا ، وَيُشْبِهُ صَوْتَ الزَّفِيرِ الذي يَخْرُجحُ مِنْ فَمِ الحزِينِ المَكْرُوبِ المُتَحَسِّرِ .
 وَإِذَا أُلُقوا فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ مِنْهَا ، وَأَيْدِيهِم مَجْمُوعَةٌ إِلى أَعْنَاقِهِمْ بالقُيُودِ والأَغْلاَلِ ، نَادُوْا هُنَالِكَ طَالِبِينَ تَعْجِيلَ هَلاَكِهِمْ لِيَسْتِريحُوا مِنْ هَوْلِ العَذَابِ .
 وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r  فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ : " إِنَّ المُجْرِمِينَ لَيُسْتَكْرَهُونَ فِي النَّارِ كَمَا ُسْتَكْرَهُ الوَتَدُ فِي الحَائِطِ "[34].
  فَيُقَالَ لَهُمْ تَوْبِيخاً وَتَقْرِيعاً : لاَ تَطْلبُوا اليومَ هَلاَكاً وَاحِداً بَلِ اطْلبُوهُ مِرَاراً ، فَلَنْ تَجِدُوا لَكُمْ خَلاَصاً مِمّا أَنْتُمْ فِيهِ .
* ومنهم من يتأذى أهل النار من نتن رائحتهم, وهم الزناة. فعَنْ بُرَيْدَةَ : أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَتَلْعَنُ الشَّيْخَ الزَّانِيَ ، وَإِنَّ فُرُوجَ الزُّنَاةِ لَيُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ نَتَنُ رِيحِهَا [35]. وغير ذلك كثير, نسأل الله تعالى السلامة.
ـــــــــــــــ
تفاوتهم في العذاب
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أن النَّبِيِّ r  ، قَالَ : إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ مُتَنَعِّلٌ بِنَعْلَيْنِ مَنْ نَارٍ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَلَى أَرْدِيَتِهِ ، مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ إِلَى تَرْقُوَتِهِ ، مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ اغْتُمِرَ فِيهَا " [36].
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا ، رَجُلٌ فِى رِجْلَيْهِ نَعْلاَنِ ، يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، وَمِنْهُمْ فِى النَّارِ إِلَى كَعْبَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِى النَّارِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنِ اغْتُمِرَ فِى النَّارِ إِلَى أَرْنَبَتِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِى النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ إِجْرَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ اغْتُمِرَ فِى النَّارِ.[37]
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r  - : " إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَى صَدْرِهِ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ انْغَمَسَ فِيهَا "[38] .
وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r  : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا ، لَرَجُلٌ عَلَيْهِ نَعْلاَنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَأَنَّهُ مِرْجَلٌ ، مَسَامِعُهُ جَمْرٌ ، وَأَضْرَاسُهُ جَمْرٌ ، وَأَشْفَارُهُ لَهَبُ النَّارِ ، وَتَخْرُجُ أَحْشَاءُ جَنْبَيْهِ مِنْ قَدَمَيْهِ ، وَسَائِرُهُمْ كَالْحَبِّ الْقَلِيلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ ، فَهُوَ يَفُورُ.[39]
وعَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ نَبِىَّ اللَّهِ -r - يَقُولُ « إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ »[40].
الحجزة : معقد الإزار والسراويل
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ r ، قَالَ:"إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَّا سِيقَ إِلَيْهَا أَهْلُهَا، تَلَقَّتْهُمْ، فَلَفَحَتْهُمْ لَفْحَةً، لَمْ تَدَعْ لَحْمًا عَلَى عَظْمٍ إِلا أَلْقَتْهُ عَلَى الْعُرْقُوبِ"[41]
 وعَنِ الْحَسَنِ ؛ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (56) سورة النساء ، قَالَ : بَلَغَنِي ، أَنَّهُ يُحْرَقُ أَحَدُهُمْ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ.[42]
 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : يُعَظَّمُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَصِيرَ شِفَاهُهُمْ إِلَى سُرَرَهُم ، مَقْبُوحُونَ ، يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ.[43]
 وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ.
وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ».[44]
وعَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : حَدَّثْتُ نَعِيمًا ، بِحَدِيثِ شَاذَانَ عَنِ الْبَرَاءِ ، فِي الْقَبْرِ ، فَقَالَ لِي : أَلَا أُحَدِّثُكَ بِمَا أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ ثنا سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ قَالَ : إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنَسَّى أَهْلَ النَّارِ جَعَلَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ صُنْدُوقًا عَلَى قَدْرِهِ مِنَ النَّارِ لَا يَنْبُضُ فِيهِ عِرْقٌ إِلَّا فِيهِ مِسْمَارٌ مِنْ نَارٍ ، ثُمَّ يُضْرَمُ فِيهِ النَّارُ ، ثُمَّ يُقْفَلُ بِقُفْلٍ مِنْ نَارٍ ، ثُمَّ يُجْعَلُ ذَلِكَ الصُّنْدُوقُ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ نَارٍ ، ثُمَّ يُضْرَمُ فِيهَا نَارٌ ، ثُمَّ يُقْفَلُ ، ثُمَّ يُلْقَى أَوْ يُطْرَحُ فِي النَّارِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ : لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ، قَالَ : فَمَا يَرَى أَنَّ فِي النَّارِ أَحَدًا غَيْرَهُ "[45]  
وعن أبي هريرة في حديث المعراج الطويل ،، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ ، كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، وَلَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَثَاقَلَتْ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ ، وَعَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ إِلَى الضَّرِيعِ وَالزَّقُّومِ وَرَضْفِ جَهَنَّمَ . قَالَ : مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ فِي قِدْرٍ نَضِيجٌ ، وَلَحْمٌ آخَرُ نِيءٌ خَبِيثٌ ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ الْخَبِيثَ وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ يَقُومُ مِنْ عِنْدِ امْرَأَتِهِ حَلَالًا ، فَيَأْتِي الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ ، فَيَبِيتُ مَعَهَا حَتَّى يُصْبِحَ ، وَالْمَرْأَةُ تَقُومُ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا حَلَالًا طَيِّبًا ، فَتَأْتِي الرَّجُلَ الْخَبِيثَ فَتَبِيتُ عِنْدَهُ حَتَّى تُصْبِحَ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةُ النَّاسِ ، لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ ، لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ . قَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ ، فَيُرِيدُ الثَّوْرُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيعُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا ، فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَوَجَدَ رِيحَ مِسْكٍ مَعَ صَوْتٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ : صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي ، فَقَدْ كَثُرَ غَرْسِي ، وَحَرِيرِي ، وَسُنْدُسِي ، وَإِسْتَبْرَقِي ، وَعَبْقَرِيِّي ، وَمَرْجَانِي ، وَقَصَبِي ، وَذَهَبِي ، وَأَكْوَابِي ، وَصِحَافِي ، وَأَبَارِيقِي ، وَفَوَاكِهِي ، وَعَسَلِي ، وَثِيَابِي ، وَلَبَنِي ، وَخَمْرِي ، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي . قَالَ : لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ . وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي ، وَعَمِلَ صَالِحًا ، وَلَمْ  يُشْرِكْ بِي شَيْئًا ، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا - فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ، لَا خُلْفَ لِمِيعَادِي ، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ، فَقَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، مَا هَذَا الصَّوْتُ ؟ قَالَ : هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ تَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي ، فَقَدْ كَثُرَ سَلَاسِلِي ، وَأَغْلَالِي ، وَسَعِيرِي ، وَحَمِيمِي ، وَغَسَّاقِي ، وَغِسْلِينِي ، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي ، وَاشْتَدَّ حَرِّي ، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي . قَالَ : لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ وَخَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ . قَالَتْ : قَدْ رَضِيتُ ..." [46]
 الرَّضْخ : الشَّدْخ. والرَّضْخ أيضا : الدّقُّ والكسر - الأدبار : جمع الدبر ودبر كل شيء عقبه ومؤخره - الضريع : نبات الشبرق لا تقربه دابة لخبثه - النضيج : ما اكتمل طهوه -- العرف : الريح الطيبة
ـــــــــــــــ
تخاصم أهل النار
قال تعالى : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59) قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60) قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61) وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63) إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64) } [ص/59-63]
 يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى عَنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَكَيْفَ يَتَنَكَّرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ، وَكَيْفَ يَتَشَاتَمُونَ وَيَتَلاَعَنُونَ ، وَيُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، وَحِينَمَا يَرَى جَمَاعَةُ الكُبَرَاءِ ، الذِينَ دَخَلُوا النَّارَ ، فَوْجاً يَدْخُلُهَا مِنَ الأَتْبَاعِ الذِينَ يَعْرِفُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : هَذَا فَوْجٌ مِنَ الكَفَرَةِ الضَّالينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ مَعَكُمْ ، فَلاَ مَرْحَباً بِهِمْ ، إِنَّهُمْ َسَيَذُوقُونَ عَذَابَ النَّارِ ، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرَهَا .
فَيَردُّ عَلَيْهِمُ الأَتْبَاعُ الدَّاخِلُونَ قَائِلِينَ لَهُمْ ، وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَهُمْ : بَلْ أَنْتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ فَأَنْتُمْ الذِينَ أَضْلَلْتُمُونَا وَدَعَوْتُمُونَا إِلَى مَا أَفْضَى بِنَا إِلَى هَذَا
 فَيَقُولُ الأَتباعُ دَاعِينَ عَلَى رُؤُوسِ الضَّلاَلَةِ : رَبَّنَا عَذِّبْ مَنْ كَانَ السَّبَبَ فِي وُصُولِنَا إِلَى هَذَا العَذَابِ وأذِقْهُ عَذَاباً مُضَاعَفاً فِي النَّارِ : عَذَاباً لِضَلاَلِهِ ، وَعَذَاباً آخَرَ لإِضْلاَلِهِ غَيْرَهُ .
 ثُمَّ يَلْتَفِتُ أَهْلُ النَّارِ لِيَبْحَثُوا بِأنْظَارِهِمْ فِي النَّارِ عَنْ فُقَرَاءِ المُؤْمِنِينَ ، وَضُعَفَائِهِمْ ، الذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَيَعُدُّونَهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ ، فَلاَ يَرَوْنَهُمْ فِي النَّارِ ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : لِمَاذَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ أَشْرَاراً فِي الدُّنْيَا ، وَكُنَّا نَسْخَرُ مِنْ دَعْوَتِهِمْ إِيَّانَا إِلى الإِيْمَانِ؟ ( وَهُمْ يَقْصِدُونَ فَقَرَاءَ المُؤْمِنِينَ ) .
 ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : هَلِ اتَّخَذْنَاهُمْ مَوْضُوعاً لِلْهُزْءِ والسُّخْرِيَةِ ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلاً لِذَلِكَ ، فَكَانُوا عَلَى حَقٍّ ، وَكُنَّا عَلَى بَاطِلٍ ، فَفَازُوا بِدُخُولِ الجَنَّةِ ، وَلَمْ يَدْخُلُوا النَّارَ مَعَنَا ، أَمْ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ مَعَنَا وَلَكِنَّ أَبْصَارَنَا زَاغَتْ عَنْهُمْ ، فَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِمْ؟
وَهَذَا الذِي أَخْبَرْنَاكَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَحَادِيثِ أَهْلِ النَّارِ وَتَخَاصُمِهِمْ وَتَلاَعُنِهِمْ ، لَحَقٌّ وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَقَع .
 وقال تعالى : {  إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)  }[الأحزاب/64-68]
إن الله طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم في الآخرة نارًا موقدة شديدة الحرارة، ماكثين فيها أبدًا، لا يجدون وليًّا يتولاهم ويدافع عنهم، ولا نصيرًا ينصرهم، فيخرجهم من النار. يوم تُقَلَّب وجوه الكافرين في النار يقولون نادمين متحيِّرين: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا رسوله في الدنيا، فكنا من أهل الجنة.
وقال الكافرون يوم القيامة: ربنا إنا أطَعْنا أئمتنا في الضلال وكبراءنا في الشرك، فأزالونا عن طريق الهُدى والإيمان. ربنا عذِّبهم من العذاب مثلَيْ عذابنا الذي تعذبنا به، واطردهم من رحمتك طردًا شديدًا. وفي هذا دليل على أن طاعة غير الله في مخالفة أمره وأمر رسوله، موجبة لسخط الله وعقابه، وأن التابع والمتبوع في العذاب مشتركون، فليحذر المسلم ذلك.
 وقال تعالى : { وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } [إبراهيم/21 ]
 وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَبْرُزُ الخَلاَئِقُ كُلُّهَا لِلوَاحِدِ القَهَّارِ ، وَتَجْتَمِعُ فِي بَرَازٍ وَاحِدٍ ( وَهُوَ المَكَانُ الوَاسِعُ الخَالِي الذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ ) ، فَيَقُولُ الأَتْبَاعُ ( الضُّعَفَاءُ ) لِلقَادَةِ الذِينَ اسْتَكْبَرُوا عَنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ : لَقَدْ كُنَّا تَابِعِينَ لَكُمْ نَأْتَمِرُ بِأَمْرِكُمْ ، وَقَدْ فَعَلْنَا مَا أَمَرْتُمُونَا بِهِ ، فَهَلْ تَدْفَعُونَ عَنَّا اليَوْمَ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا } ؟ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمُ القَادَةُ الكُبَرَاءُ قَائِلِينَ : لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانَا لَهَدَيْنَاكُمْ مَعَنَا ، وَلَكِنَّنَا ضَلَلْنَا فَضَلَلْتُمْ مَعَنَا ، فَحَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الصَّبْرِ لأنَّ الجَزَعَ لاَ يُفِيدُ ، وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا فَلاَ نَجَاةَ لَنَا مِنَ النَّارِ ، وَلاَ مَصْرِفَ لَنَا عَنْهَا .
  وقال تعالى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50) }[غافر/47-50]
وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ أَهْلُ النَّارِ فِي الحِجَاجِ وَالخِصَامِ ، فَيَقُولُ الأَتْبَاعُ لِلْقَادَةِ : إِنَّا أَطَعْنَاكُمْ فِيمَا دَعَوْتُمُونَا إِلَيهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الكُفْرِ والضَّلاَلِ ، فَهَلْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا عَنَّا قِسْطاً مِنَ العَذَابِ فَتُخَفِّفُوهُ عَنَّا؟ فَقَدْ كُنَا لَكُمْ أَتْبَاعاً ، وَإِنَّمَا دَخَلْنَا النَّارَ بِسَبَبِ إِطَاعَتِنَا لَكُمْ .
وَيَقُولُ الكُبَرَاءُ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ : إِنَّهُمْ جَمِيعاً فِي النَّارِ يَذُوقُونَ العَذَابَ ، وَقَدْ فَصَلَ اللهُ بِقَضَائِهِ بَيْنَ العِبَادِ ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ ، فَلاَ يُعَذَّبُ أَحَدٌ بِذَنْبِ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِذَنْبِهِ ، وَإِنَّهُمْ جَمِيعاً كَافِرُونَ وَقَدِ اسْتَحَقُّوا العَذَابَ بِسَبَبِ كُفِرِهِمْ .
وَلَمَّا يَئِسَ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَنْ يَحْمِلَ السَّادَةُ الذِينَ كَانُوا سَبَبَ كُفْرِهِمْ ، وَإِدْخَالِهِمْ فِي النَّارِ ، شَيْئاً مِنَ العَذَابِ عَنْهُمْ ، اتَّجَهُوا إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَسْأَلُونَهُمْ الاتِّجَاهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ فِي النَّارِ .
وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ يُقَرِّعُونَهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ : أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُ رَبِّكُمْ بِالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ مَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيهِ؟ وَيَقُولُ المُسْتَضْعَفُونَ : نَعَمْ لَقَدْ جَاءَهُمْ رُسُلُ اللهِ بِالحُجَجِ والبَيِّنَاتِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ لَهُمْ خَزنَةُ جَهَنَّمَ : إِذاً فَادْعُوا أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ . وَلكِنَّ دُعَاءَ الكَافِرِينَ لاَ يُفِيدُ ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُ ، وَيَذْهَبُ سُدًى .
 وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) } [الزخرف/36-38]
 وَمَنْ يَتَغَافَلْ وَيَتَعَامَ عَنِ القُرْآنِ ، وَعَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى ، وَيَنْهَمِك فِي المَعَاصِي ، وَلَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا . . فَإِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ فَيَكُونُونَ لَهُ قُرْنَاءَ ، يُزَيِّنُونَ لَهُ ارْتِكَابَ المَعَاصِي ، وَالاشْتِغَالَ بِاللَّذَّاتِ ، فَيَسْتَرْسِلُ فِيهَا فَيَحِقُّ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ وَعِقَابُهُ .
 وَهَؤُلاَءِ القُرنَاءُ مِن شَيَاطِينِ الإِنْسِ والجِنِّ ، الذِينَ يُقَيِّضُهُم اللهُ لِكُلِّ مَنْ يَعْشُوا عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ، يُحَاوِلُونَ صَرْفَهُ عَنِ الحَقِّ إِلَى البَاطِلِ ، وَيُوسْوِسُونَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى جَادَّةِ الهُدَى والحَقِّ والصَّوَابِ ، وَأَنَّ غَيْرَهُ عَلَى البَاطِلِ ، وَيُكَرِّهُونَ إِلَيهِ الإِيْمَانَ فَيُطِيعُهُمْ .
وَحِينَ يُوَافِي هَذَا الغَافِلُ ، الذِي تَسَلّطَتْ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ ، رَبَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَتَبَرَّمُ بالشَّيْطَانِ الذِي وُكِّلَ بِهِ ، وَيَقُولُ لَهُ : يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ مَا بَينَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ ، فَبِئْسَ القَرِينُ أَنْتَ ، لأَنَّكَ أَضْلَلْتَنِي ، وَأَوْصَلْتَنِي إِلَى مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الخِزْيِ والعَذَابِ المُهِينِ .
وَيُقَالُ لِهَذَا الغَافِلِ الجَاهِلِ وَأَمْثَالِهِ ، وَشَيَاطِينِهِمْ تَقْرِيعاً وَتَوْبِيخاً : لَنْ يَنْفَعَكُمْ ، وَلَنْ يُغَنِيَ عَنْكُم اجْتَمَاعُكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ وَقرنَاؤُكُمْ ، وَلاَ اشْتِرَاكُكُمْ فِي العَذَابِ الأَلِيمِ ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُعَانِي مِنَ العَذَابِ مَا يَكْفِيهِ .
  وقال تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) } [سبأ/31-33]
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ مُشْرِكِي العَرَبِ : لَنْ نُؤْمِنَ بِهذا القُرْآنِ ، وَلاَ بِالكُتُبِ التِي تَقَدَّمَتْهُ ، وَلاَ بِمَا اشْتَملَتْ عَليهِ مِنْ أُمورِ الغَيْبِ ، وَالبَعْثِ ، وَالنُّشُورِ ، وَالحِسَابِ ، وَالجَزَاءِ ، وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَليهم ، قَائِلاً لرَسُولِهِ الكَرِيمِ : لَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ حَالَ أُولئِكَ الكُفَّارِ ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَهُمْ وَقُوفٌ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ ، لِلْحِسَابِ وَالجَزَاءِ ، وَقَدْ عَلَتْهُمُ الذِّلَّةُ والمَهَانَةُ . . إذاً لَرَأَيْتَ أَمراً عَجَباً ، إِذْ يَقُولُ الأتْبَاعُ المُسْتَضْعَفُونَ لِلسَّادَةِ المُسْتَكْبِرِينَ الذِينَ حَمَلُوهُمْ عَلى اتِّبَاعِ سَبيلِ الغَيِّ والضَّلاَلةِ : لَولا أَنَّكُم صَدَدْتُمُونا عَنِ الهُدَى ، وَحَمَلْتُمُونَا عَلى اتِّبَاعِكُمْ حَمْلاً لَكُنّا آمَنَّا بِرَبِّنا ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ .
 فَيَرُدُّ السَّادةُ المُسْتَكْبِرُونَ عَلَى المُستَضْعَفِينَ قَائِلِينَ : هَلْ نَحْنُ الذِينَ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ الذِي جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ؟ لَيْسَ هذا حَقَّاً ، إِنَّكُمْ الذِينَ مَنَعْتُمْ الذِينَ مَنَعْتُمْ أَنْفُسَكُمْ حَظَّهَا مِنِ اتِّبَاعِ الهُدَى لإِجْرَامِكُمْ وَإِيثارِكُمُ الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ .
فَقَالَ الأَتباعُ المُسْتَضْعَفُونَ لِلسَّادَةِ : بَلْ أَنْتُمُ الذِينَ كُنْتُمْ تُوَسْوِسُونَ لَنَا بِالكُفْرِ لَيلاً وَنَهَاراً ، وَتُغُونَنا بِالّّثَّبَاتِ عَلَى الكًُفْرِ ، وَالإِقَامَةِ عَلَيهِ ، وَتُخْبِرُونَنا أَنَّنا عَلَى هُدىً فِيمَا نَعْبُدُهُ مِنْ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ وَأَندَادٍ .
وَيَتَوَقَّفُ الحِوَارُ بَيْنَ الأَتْبَاعِ المُسْتَضْعَفِينَ وَبَينَ السَّادَةِ المَتْبُوعِينَ ، وَيُسِرُّ كُلُّ فَرِيقٍ في نَفْسِهِ ما يَشْعُرُ بِهِ مِنْ حَسْرَةٍ وَنَدَمٍ عَلَى ما فَرَّطَ في جَنْبِ اللهِ ، وَمَا قَصَّرَ في طَاعَتِهِ ، حِينَ يَرَى العَذابَ الذِي أَعَدَّهُ اللهُ لِلْكَفَرةِ المُجْرِمينَ . ثُمَّ تُوضَعُ الأَغْلالُ وَسِلاسِلُ الحَدِيدِ فِي أَعْنَاقِ هؤلاءِ ، وَهُمْ في النَّارِ .
والعَذَابُ الذِي يَلْقَوْنَهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِنَما هُوَ الجَزَاءُ الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ عَلى مَا اجْتَرَحُوا مِنَ الكُفْرِ وَالآثامِ والسَّيِّئَاتِ فِي الدُّنيا .
ـــــــــــــــ
  في بكائهم وشهيقهم
 َعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : َّ إِن أَهْلُ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكًا فَلَا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا ، ثُمَّ يَقُولُ : { إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} (77) سورة الزخرف . ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ : {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (107) سورة المؤمنون ، فَلَا يُجِيبُهُمْ مِثْلَ الدُّنْيَا ، ثُمَّ يَقُولُ : { اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (108) سورة المؤمنون . ثُمَّ يَيْأَسُ الْقَوْمُ فَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ ، وَالشَّهِيقُ تُشْبِهُ أَصْوَاتُهُمْ أَصْوَاتَ الْحَمِيرِ ، أَوَّلُهَا شَهِيقٌ وَآخِرُهَا زَفِيرٌ .[47]
الشهيق في الصدر -والزفير في الحلق وقال ابن فارس الشهيق ضد الزفير لأن الشهيق رد النفس والزفير إخراج النفس
وعَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَهُمْ فِيهَا زَفِير وَشَهِيق } يَقُول : صَوْت شَدِيد وَصَوْت ضَعِيف"[48]
وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِنْ جُوعٍ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِى غُصَّةٍ فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ الْغُصَصَ فِى الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرَابِ فَيُرْفَعُ إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ بِكَلاَلِيبِ الْحَدِيدِ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ فَإِذَا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَّعَتْ مَا فِى بُطُونِهِمْ فَيَقُولُونَ ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى. قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلاَلٍ. قَالَ فَيَقُولُونَ ادْعُوا مَالِكًا فَيَقُولُونَ (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) قَالَ فَيُجِيبُهُمْ (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) ». قَالَ الأَعْمَشُ نُبِّئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ أَلْفَ عَامٍ. قَالَ « فَيَقُولُونَ ادْعُوا رَبَّكُمْ فَلاَ أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَيَقُولُونَ (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) قَالَ فَيُجِيبُهُمْ ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ) قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ فِى الزَّفِيرِ وَالْحَسْرَةِ وَالْوَيْلِ »[49]
الضريع : نبت بالحجاز له شوك كبار
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « يُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيَبْكُونَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى يَصِيرَ فِى وُجُوهِهِمْ كَهَيْئَةِ الأُخْدُودِ لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهِ السُّفُنُ لَجَرَتْ ».[50]
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r  يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ابْكُوا ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا ، فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ فِي النَّارِ حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ كَأَنَّهَا جَدَاوِلُ ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ ، فَتَسِيلَ يَعْنِي الدِّمَاءَ فَتُقَرِّحَ الْعُيُونَ ، فَلَوْ أَنَّ سُفُنًا أُرْخِيَتْ فِيهَا لَجَرَتْ"[51]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r  ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ ، حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ يَعْنِي مَكَانَ الدَّمْعِ "[52]
وعَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ فِي النَّارِ ، حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ فِي دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ بَعْدَ الدُّمُوعِ ، وَلِمِثْلِ مَا هُمْ فِيهِ يُبْكَى لَهُ.[53]
الأخدود بالضم هو الشق العظيم في الأرض
ـــــــــــــــ
أعظمُ عذابِ أهل النَّار
كما أنَّ رضوان الله تعالى على أهل الجنة وتجلِّيه لهم أعظم من كلِّ نعيم الجنة,  فإنَّ أعظم عذاب أهل النار هو حجابهم عن الله عزَّ وجلَّ وإبعادهم عنه,وإعراضه عنهم, وسخطه عليهم, قال تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ* كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الجَحِيمِ* ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) {المطففين:14-17}.
وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمُو مِنْ أَنَّ هَذَا القُرْآنَ هُوَ مِنْ أَسَاطِيرِ الأَوَّلِينَ ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلاَمُ اللهِ إِلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ r  ، وَلَكِنَّ الذِي حَجَبَ عَنْ قُلُوبِهِمْ الإِيْمَانَ هُوَ مَا عَلاَ قُلُوبَهُمْ وَغَطَّاهَا مِنْ تَرَاكُمْ الذُّنُوبِ ، وَتَوَالِي الإِقْدَامِ عَلَى مُنْكَرِ الأَعْمَالِ ، حَتَّى اعْتَادُوهَا ، وَصَارَتْ سَبَباً لَهُمْ لِحُصُولِ الرِّيْن عَلَى قُلُوبِهِمْ ، الأُمُورِ عَلَيْهِمْ .
 يَزْجُرُ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ ، الذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ القُرْآنَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ، والذِينَ يَدَّعُوْنَ أَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ عِنْدَ اللهِ مِنَ المُقَرَّبِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَقُولُ لَهُمْ : لَيْسَ الأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا ، فَهُمْ سَيُطْرَدُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ، وَسَيُحْجَبُونَ عَنْ رُؤْيَتِهِ .
 وَبَعْدَ أَنْ يُحْجَبُوا يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ ، يُقْذَفُ بِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَيَصْلَونَ سَعِيرَهَا ، وَيُقَاسُونَ حَرَّهَا .
 فذكر الله تعالى ثلاثـة أنواع ٍمن العذاب: حجــابهم عن الله,ثمَّ صليهم الجحيــم, ثمَّ توبيخهم بتكذيبهم به في الدنيــا. وذلك بعـد أن وصفهم بالرَّان على قلوبهم-وهو الصدأ- بسبب المعاصي والذنوب.
وعن أبي عمران الجوني، قال: لم ينظر الله تعالى إلى إنسان قط إلا رحمه، ولو نظر إلى أهل النار لرحمهم، ولكنه قضى أنه لا ينظر إليهم.[54]
ـــــــــــــــ
أهون أهل النار عذابا
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِى دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ »[55].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ r  ، قَالَ : إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا الَّذِي يُجْعَلُ لَهُ نَعْلاَنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ.[56]
وعَن الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ ؟ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِكَ ، قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ "[57]
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنّ النَّبِيَّ r  : ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ ، فَقَالَ : لَعَلَّهُ يَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ تَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ "[58]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  : أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ،[59]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ نَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ »[60].
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ »[61].
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  : إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ. ،[62]
 الأخمص : باطن القدم الذى يتجافى عن الأرض عند الوطء -المرجل : القِدر من النحاس أو الحجارة -القمقم : ما يسخن فيه من نحاس وغيره
وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ r  : إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ ، مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدَّ عَذَابًا مِنْهُ وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا .[63]
أَمَّا الضَّحْضَاح فَهُوَ بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ ، وَالضَّحْضَاح : مَا رَقّ مِنْ الْمَاء عَلَى وَجْه الْأَرْض إِلَى نَحْو الْكَعْبَيْنِ ، وَاسْتُعِيرَ فِي النَّار . وَأَمَّا الْغَمَرَات فَبِفَتْحِ الْغَيْن وَالْمِيم وَاحِدَتهَا غَمْرَة بِإِسْكَانِ الْمِيم وَهِيَ الْمُعْظَم مِنْ الشَّيْء .
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : جَمْع ( الدَّرَك ) بِالْفَتْحِ أَدْرَاك كَجَمَلٍ وَأَجْمَال وَفَرَس وَأَفْرَاس ، وَجَمْع ( الدَّرْك ) بِالْإِسْكَانِ أَدْرُكٌ كَفَلْسٍ وَأَفْلُس . وَأَمَّا مَعْنَاهُ : فَقَالَ جَمِيع أَهْل اللُّغَة وَالْمَعَانِي وَالْغَرِيب وَجَمَاهِير الْمُفَسِّرِينَ : الدَّرْك الْأَسْفَل قَعْر جَهَنَّم . وَأَقْصَى أَسْفَلهَا ، قَالُوا : وَلِجَهَنَّمَ أَدْرَاك ، فَكُلّ طَبَقَة مِنْ أَطْبَاقهَا تُسَمَّى دَرْكًا . وَاَللَّهُ أَعْلَم .
 وَفِي هَذَا الْحَدِيث وَمَا أَشْبَهَهُ تَصْرِيح بِتَفَاوُتِ عَذَاب أَهْل النَّار كَمَا أَنَّ نَعِيمَ أَهْل الْجَنَّة مُتَفَاوِت . وَاَللَّه أَعْلَم .
وعَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ « أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ قَالَ نَعَمْ . قَالَ فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى . فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ »[64] .
وعَنْ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r  - قَالَ « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ فَيَقُولُ نَعَمْ . فَيَقُولُ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تُشْرِكَ بِى »[65] .
ـــــــــــــــ
صبغُ أنعم أهل الدنيا من أهل في النار
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ ، وَاللهِ ، يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ.[66]
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ : يُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ كَانَ بَلاَءً فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ أَوْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَكْرَهُهُ قَطُّ ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَنْعَمِ النَّاسِ كَانَ فِي الدُّنْيَا ، مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَقُولُ : اصْبُغُوهُ فِيهَا صَبْغَةً ، فَيَقُولُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ ، مَا رَأَيْتُ خَيْرًا قَطُّ ، وَلاَ قُرَّةَ عَيْنٍ قَطُّ.[67]
ـــــــــــــــ
من يخرج من النار وآخر هم خروجًا
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ » . قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ » . قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ . فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ . فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا ، فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ » . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r  - « فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ » . قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ ، بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ، ثُمَّ يَنْجُو ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا ، فَاصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ . فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ . فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ . فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ . فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلْنِى غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ . فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو . فَيَقُولُ لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ . فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ . فَيُعْطِى اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ يَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ . ثُمَّ يَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِى أَشْقَى خَلْقِكَ . فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ تَمَنَّ مِنْ كَذَا . فَيَتَمَنَّى ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا . فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِىُّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ » . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً .[68] 
الذكاء : لهب النار واشتعالها -تضارون : لا تتخالفون ولا تتجادلون فى صحة النظر -قشبنى : سمنى وأهلكنى -امتحشوا : احترقت جلودهم حتى ظهرت العظام
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ r  : هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لاَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ فِي غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَقَامُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا ، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ ، قَالَ : فَيَأْتِيهِمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ ، فَيَقُولُ : أَنَا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا ، وَيُضْرَبُ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ ، قَالَ النَّبِيُّ r  : فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُهُ ، وَدَعْوَةُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، هَلْ تَدْرُونَ شَوْكَ السَّعْدَانِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ، ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ ، مَنْ أَرَادَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، قَالَ : وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، قَالَ : فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ ، يُقَالُ لَهُ : مَاءُ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، قَالَ : وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا ، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا ، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ : فَلَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ : يَا رَبِّ ، قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، فَيَقُولُ : لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ ، وَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَلَمَّا قَرَّبَهُ مِنْهَا انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ ، قَالَ : فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ جَلَّ وَعَلاَ ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا دَخَلَ قِيلَ لَهُ : تَمَنَّ كَذَا وَتَمَنَّ كَذَا ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ ، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ : هُوَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r  ، يَقُولُ : هُوَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : حَفِظْتُ : هُوَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً.[69]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ - r  - « إِنِّى لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا ، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا ، فَيَقُولُ اللَّهُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ . فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ، فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ . فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى . فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ، فَيَقُولُ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا . أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا . فَيَقُولُ تَسْخَرُ مِنِّى ، أَوْ تَضْحَكُ مِنِّى وَأَنْتَ الْمَلِكُ » . فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r  - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً .[70]    -الكبو : الحبو -النواجذ : جمع ناجذ وهو أقصى الأضراس
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r  ، قَالَ : يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا رَبَّاهُ ، فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ : يَا لَبَّيْكَاهُ ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ : يَا رَبِّ حَرَّقْتَ بَنِيَّ ، فَيَقُولُ : أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ أَوْ شَعِيرَةٌ مِنْ إِيمَانٍ.[71]
وعن مَعْبَدَ بْنِ هِلالٍ ، قَالَ : اجْتَمَعْنَا نَاسُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ ، وَقَالَ : خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرِ الْجَبَّانِ قُلْنَا : لَوْ مِلْنَا إِلَى الْحَسَنِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُسْتَخْفِي فِي دَارِ أَبِي خَلِيفَةَ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَحَدَّثْنَاهُ الْحَدِيثَ ، فَقَالَ : قَدْ حَدَّثَنَاهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَلَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مَا أَدْرِي أَنَسِيَ الشَّيْخُ أَمْ كَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَكُمْ فَتَتَّكِلُوا ، قُلْنَا لَهُ : حَدَّثَنَا ، فَقَالَ : قال يَعْنِي النَّبِيَّ r  : ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا ، فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ، ارْفَعْ ، وَقُلْ تُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ ، ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ لَكَ أَوْ قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ إِلَيْكَ ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَالَ : فَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ [72].
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  : أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً .[73]
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنّ النَّبِيَّ r  قَالَ : يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنَ الْخَيْرِ ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ" [74]
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَالَ : يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ، ثُمَّ يَقُولُ : انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتُحِشُوا ، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ ، أَوْ نَهَرِ الْحَيَا ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ : أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً "[75]
وعَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r  ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ : أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا ، أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ.[76]
 ـــــــــــــــ


نداء أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار وتكليم بعضهم بعضا
قال الله تعالى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) } [الأعراف/44-51]
وَبَعْدَ أَنْ يَسْتَقِرَّ أَهْلَ الجَنَّةِ فِيهَا ، وَيَحْمَدُونَ اللهَ تَعَالَى عَلَى النَّعِيمِ الذِي أَسْبَغَهُ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ، يَطَّلِعُونَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ ، فَيَرَوْنَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ وَالنَّصَبِ ، وَيَرَوْنَ قَوْماً مِمَّنْ عَرَفُوهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللهِ ، وَيَكْفُرُونَ بِهَا ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ، وَيُشَكِّكُونَ فِي صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ عَنْ ثَوَابِ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، فَاعِلِي الخَيْرِ ، وَعَنِ العَذَابِ الذِي يَنْتَظِرُ المُكَذِّبِينَ المُجْرِمينَ ، فَيُخَاطِبُونَهُمْ قَائِلِينَ : لَقَدْ وَجَدْنَا نَحْنُ مَا وَعَدَنَا رَبُّنا مِنْ نَعِيمٍ ، وَجَنَّاتٍ ، حَقّاً ، جَزَاءً عَلَى الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ أَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ النَّارِ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ عَذَابٍ وَنَكَالٍ حَقّاً؟ فَيُجِيبُهُمْ أَهْلُ النَّارِ : أَنْ نَعَمْ ، لَقَدْ وَجَدْنَا ذَلِكَ . وَبَعْدَ أَنْ يُقِروا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ ، يُعْلِنُ مُعْلِنٌ : أَنْ لَعْنَةَ اللهِ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ وَالمَعَاصِي .
وَيُعَرِّفُ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ فَيَقُولُ : إِنَّهُمُ الذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ اتِّبَاعِ مَا شَرَعَ اللهُ مِنَ الهُدَى ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّاتَ ، وَيَبْغُونَ أَنْ تَكُونَ سَبيلُ اللهِ مُعْوَجَّةً غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ حَتَّى لاَ يَسْلُكَهَا أَحَدٌ ، وَيَكْفُرُونَ بِلِقَاءِ اللهِ فِي الآخِرَةِ ، لاَ يُصَدِّقُونَ وَلاَ يُؤْمِنُونَ ، وَلِذَلِكَ فَإنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِمَا يَأْتُونَ مِنْ مُنْكَرِ القَوْلِ وَالفِعْلِ ، لأنَّهُمْ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَ اللهِ وَحِسَابَهُ .
 وَيَقُولُ تَعَالَى : إِنَّ بَيْنَ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَأَهْلِ النَّارِ حِاجَزاً ( حِجَاباً ) يَمْنَعُ وُصُولَ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الجَنَّةِ ، وَهُوَ السُّورُ الذِي قَالَ عَنْهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أَخْرَى { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ } وَهُوَ الأَعْرَافُ .
وَيَقُولُ المُفسِّرُونَ : يَقِفُ عَلَى الأَعْرَافِ أُنَاسٌ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ مَعْ سَيِّئَاتِهِمْ ، فَلاَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَلا هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيهِمْ ، وَلكِنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي أَنْ يُدْخِلَهُمُ اللهُ الجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ .
وَأَهْلُ الأَعْرَافِ يَعْرِفُونَ كُلاًّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الجَنَّةِ بِسِيمَاهُمُ التِي وَصَفَهُمُ اللهُ بِهَا ( وَهِيَ بَيَاضُ الوَجْهِ ، وَنَضْرَةُ النَّعِيمِ التِي تَعْلُو وُجُوهَ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَسَوادُ الوَجْهِ وَالقَتَرَةُ التِي تَرْهَقُ وُجُوهَ أَهْلِ النَّارِ ) . وَيَتَوَجَّهُ أَهْلُ الأَعْرَافِ إلَى أَهْلِ الجَنَّةِ بِالسَّلاَمِ قَائِلِينَ لَهُمْ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، يَقُولُونَهَا مُهَنِّئِينَ بِالفَوْزِ بِالحِسَابِ ، طَامِعِينَ فِي أَنْ يُدِخِلََهُمُ اللهُ الجَنَّةَ مَعَهُمْ .
وَقَالَ مُفَسِّرُونَ آخَرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) إِنَّ أَهْلَ الأَعْرَافِ يُسَلِّمُونَ عَلَى أَهْلِ الجَنَّةِ بَعْدَ أَنْ يَجْتَازُوا الحِسَابَ ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الجَنَّةَ ، إِذْ يَكُونُونَ طَامِعِينَ فِي دُخُولِهَا لِمَا رَأَوْهُ مِنْ يُسْرِ الحِسَابِ  .
وَكُلَّمَا اتَّجَهَتْ أَبْصَارُهُمْ إلَى جِهَةِ أَهْلِ النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ ، وَقَالُوا رَبَّنا لاَ تَجْعَلْنا مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ .
وَيَعْرِفُ أَهْلُ الأَعْرَافِ رُؤُوسَ الكُفْرِ ، وَقَادَةَ الشِّرْكِ ، وَهُمْ فِي النَّارِ ، بِسِيمَاهُمْ ( أَيْ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ ) فَيُقَرِّعُونَهُمْ قَائِلِينَ : لَمْ تَنْفَعْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ، وَجَمْعُكُمُ المَالَ ، وَلَمْ يُغْنِ عَنْكُمُ اسْتِكْبَارُكُمْ ، مِنْ عَذَابِ اللهِ ، وَهَا أَنْتُمْ قَدْ صِرْتُمْ إلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ العَذَابِ ، وَسُوءِ المَصِيرِ .
ثُمَّ يَقُولُونَ لَهُمْ مُوَبِّخِينَ مُقَرِّعِينَ ، وَهُمْ يَلْفِتُونَ أَنْظَارَهُمْ إِلَى أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ، وَيَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يُصِيبَهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ : أَهَؤُلاَءِ الذِينَ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَنْ يَرْحَمَهُمْ؟ ألاَ تَرَوْنَ مَا قِيلَ لَهُمْ بِأَمْرِ اللهِ : ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ ، لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَمْرِكُمْ ، وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ وَرَاءَكُمْ فِي الدُّنْيَا .
 يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ ذِلَّةِ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ العَظِيمِ ، وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الجَنَّةِ أَنْ يُعْطُوهُمْ شَيْئاً مِنْ شَرَابِهِمْ وَطَعَامِهِمْ ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ : إِنَّ اللهَ حَرَّم ذَلِكَ عَلَى الكَافِرِينَ .
وَوَصَفَ أَهْلُ الجَنَّةِ هَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ ، الذِينَ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ المَاءَ وَالطَّعَامَ ، بِأَنَّهُمْ : الذِينَ اتَّخَذُوا الدِّينَ لَهْواً وَلَعِباً ، وَاغْتَرُّوا بِالدُّنيا وَزِينَتِهَا وَزُخْرُفِها ، فَانْصَرَفُوا إِليها ، وَتَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ العَمَلِ لِلآخِرَةِ .
وَكَمَا نَسِيَ هَؤُلاَءِ دِينَهُمْ وَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ ، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَجَحَدُوا بِهَا ، فَإِنَّ اللهَ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الشَّيءِ المَنْسِيِّ ، الذِي لاَ يَبْحَثُ عَنْهُ أَحَدٌ ، وَيَنْسَاهُمْ فَلا يُجِيبُ دُعَاءَهُمْ ، وَيَتْرُكُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يُعَذَّبُونَ .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ} الآيَةُ ، قَالَ : يُنَادِي الرَّجُلُ أَخَاهُ ، وَيُنَادِي الرَّجُل الرَّجُلَ فَيَقُولُ : إنِّي قَدَ احْتَرَقْت فَأَفِضْ عَلَيَّ مِنَ الْمَاءِ ، قَالَ : فَيُقَالَ له : أَجِبْهُ ، فَيَقُولُ : إنَّ اللَّهَ حرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ.[77]
وعن أبي بكر بن عبد الله، قال: ينادي أهلُ النار أهلَ الجنة فلا يجيبونهم ما شاء الله، ثم يقال: أجيبوهم، وقد قطع الرَّحم والرحمة، فيقول أهل الجنة: يا أهل النار، عليكم غضب الله، يا أهل النار، عليكم لعنة الله، يا أهل النار، لا لبَّيْكم ولا سَعْدَيْكُم، ماذا تقولون؟ فيقولون: ألم نك في الدنيا آباءكم وأبناءكم وإخوانكم وعشيرتكم، فيقولون: بلى، فيقولون:( أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ).[78]
و قال الله عز وجل : {  فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) [الصافات/50، 60]
وَيَأْخُذُ أَهْلُ الجِنَّةِ ، وَهُمْ فِي جلْسَتِهِمْ تِلْكَ ، فِي تَجَاذُبِ أَطْرَافِ الحَدِيثِ ، وَيَتَنَاوَلُونَ فِي أَحَادِيِثِهِمْ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا .
 قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ الذِينَ يَتَحَادَثُونَ : إِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِبٌ ( قَرِينٌ ) مُشْرِكٌ فِي الدُّنْيَا يَلُومُ المُؤْمِنِينَ عَلَى إِيْمَانِهِمْ بِالحَشْرِ والحِسَابِ ، وَيَسْخَرُ مِنْهُمْ . وَيَقُولُ لِصَدِيقِه المُؤْمِنِ : هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ والجَزَاءِ؟
وَيَقُولُ مُتَعَجِّباً : هَلْ إِذَا أَصْبَحْنَا تُراباً وَعِظَاماً نِخْرَةً ، سَنُبَعَثُ لِنُحَاسَبَ عَلَى أَعْمَالِنَا وَنُجْزَى بِهَا؟ إِنَّ ذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أبداً .
وَيَقُولُ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ الجَالِسِينَ مَعَهُ فِي رِحَابِ الجَنَّةِ : هَلْ تَوَدُّونَ أَنْ تَطَّلِعُوا عَلَيْهِ ، وَهُوَ فِي الجَحِيمِ ، لَتَرَوْا عَاقِبَةَ أَمْرِ هَذَا القَرِينِ الكَافِرِ؟
فَاطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ النَّارِ ، فَرَأى قَرِينَهُ وَسَطَ الجَحِيمِ ، يَتَلَظَّى بِلَهِيبِها . فَقَالَ المُؤْمِنُ لِقَرينِهِ المُشْرِكِ مُوَبِّخاً وَمُقَرِّعاً : لَقَدْ كِدْتَ أَنْ تهْلِكَنِي لَوْ أَنَّني أَطَعْتُكَ فِي كُفْرِكَ وِعِصْيَانِكَ .
وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيَّ ، لَكُنْتُ مِثْلَكَ مُحْضَراً فِي العَذَابِ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ ، وَلَكِنَّ رَحْمَتَهُ تَعَالَى أَنْقَذَتْني مِنْ سُوءِ العَاقِبَةِ ، إِذْ هَدَانِي اللهُ إِلَى الإِيْمَانِ .
 ثُمَّ التَفَتَ المُؤْمِنُ إِلى جُلَسَائِهِ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُمْ عَلَى مَسْمَعٍ مِنَ الكَافِرِ ، لِيَزِيدَ فِي ألَمِهِ وَحَسْرَتِهِ وَعَذَابِهِ : هَلْ نَحْنُ مُخَلَّدُونَ فِي الجَنَّةِ ، مُنعَّمُونَ فِيهَا ، لاَ نَمُوتُ ، وَلاَ تَزُولُ نِعَمُهَا عَنَّا؟
 وَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُوْلَى ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ؟ فَقِيلَ لَهُ : لاَ . فَقَالَ المُؤْمِنُ لأَصْحَابِهِ وَجُلَسَائِهِ : إِنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيم ، مَعَ مَا يَتَمَتَعُّونَ بِهِ مِنَ المَآكِلِ والمَشَارِب والملَذَّاتِ ، هُوَ الفَوْزُ العَظيمُ ، وَالنَّجَاةُ مِمَّا كُنَّا نَحْذَرُهُ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى .
وعن خليد العصري، قال: لولا أن الله عرفه إياه ما عرفه، لقد تغير حبره وسبرة بعده، وذُكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم، فقال:( تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ )[79]
وعن مطرف بن عبد الله، في قوله( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) قال: والله لولا أنه عرفه ما عرفه، لقد غيرت النار حِبْره وسِبْره ( الحسن والبهاء) [80] .
وقال تعالى :{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) } [المدثر/38-47]
كل نفس بما كسبت من أعمال الشر والسوء محبوسة مرهونة بكسبها، لا تُفَكُّ حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات، إلا المسلمين المخلصين أصحاب اليمين الذين فكُّوا رقابهم بالطاعة، هم في جنات لا يُدْرَك وصفها، يسأل بعضهم بعضًا عن الكافرين الذين أجرموا في حق أنفسهم: ما الذي أدخلكم جهنم، وجعلكم تذوقون سعيرها؟ قال المجرمون: لم نكن من المصلِّين في الدنيا، ولم نكن نتصدق ونحسن للفقراء والمساكين، وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغَواية والضلالة، وكنا نكذب بيوم الحساب والجزاء، حتى جاءنا الموت، ونحن في تلك الضلالات والمنكرات.
وعَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : يَشْرُفُ قَوْمٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى قَوْمٍ فِي النَّارِ فَيَقُولُونَ : مَا لَكُمْ فِي النَّارِ , وَإِنَّمَا كُنَّا نَعْمَلُ بِمَا تُعَلِّمُونَا ، قَالُوا : كُنَّا نُعَلِّمُكُمْ ، وَلاَ نَعْمَلُ بِهِ.[81]
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  : إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيُنَادِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ : يَا فُلانُ ، أَمَا تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : لا ، وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ ، مَنْ أَنْتَ وَيْحَكَ ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي مَرَرْتُ بِي فِي الدُّنْيَا فَاسْتَسْقَيْتَنِي شَرْبَةَ مَاءٍ فَسَقَيْتُكَ ، فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكَ ، قَالَ : فَدَخَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى اللَّهِ فِي زُوَّرِهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، إِنِّي أَشْرَفَتُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَنَادَى : يَا فُلانُ ، أَمَا تَعْرِفُنِي ؟ فَقُلْتُ : لا ، وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ ، وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي مَرَرْتَ بِي فِي الدُّنْيَا فَاسْتَسْقَيْتَنِي فَسَقَيْتُكَ ، فَاشْفَعْ لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكِ ، يَا رَبِّ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ : فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِيهِ ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ النَّارِ "[82]
وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}  [المطففين/29-36]
إِنَّ المُجْرِمِينَ الذِينَ يُعَانُونَ سُوء العَذَابِ ، فِي الآخِرَةِ ، كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَسْخَرُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ الذِينَ أَكْرَمَهُم اللهُ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ ، حِينَمَا كَانُوا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا .
وَكَانُوا إِذَا مَرُّوا بِالمُؤْمِنِينَ يَسْخَرُونَ مِنْهُمْ وَيَتَغَامَزونَ عَلَيْهِمْ بِالعُيُونِ ، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ .
وَإِذَا رَجَعُوا إِلَى جَمَاعَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ والضَّلاَلِ ، رَجَعُوا مُعْجَبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ لِمَا فَعَلُوهُ بِالمُؤْمِنِينَ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَالإِيْذَاءِ .
وَإِذَا رَأَى هَؤُلاَءِ المُجْرِمُونَ المُؤْمِنِينَ قَالُوا : إِنَّهُمْ ضَالُّونَ إِذْ بَدَّلُوا دِينَهُمْ ، وَتَرَكُوا مَا كَانَ يَعْبُدُ آباؤُهُمْ ، وَاتَّبَعُوا مُحَمَّداً وَدِينَهُ . وَاللهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُرْسِلِ الكُفَارَ رُقَبَاءَ عَلَى المُؤْمِنِينَ ، وَلَمْ يَعْهَدْ إِلَيْهِمْ بمُحَاسَبَتِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، فَلاَ يَحقُّ لَهُمْ أَنْ يَعِيبُوا عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعْمَالَهُمْ .وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ الذِي يُكَرِّمُ فِيهِ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ ، وَيُخزِي الكَافِرِينَ المُجْرِمِينَ ، فَإِنَّ المُؤْمِنِينَ هُمُ الذِينَ يَضْحَكُونَ مِنَ الكُفَّارِ ، وَمَا صَارُوا إِلَيهِ مِنَ الخَزْيِ والذَّلِّ وَالعَذَابِ .وَيَكُونُ المُؤْمِنُونَ المَكَرَّمُونَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ جَالِسِينَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . لِيَرَوا إِنْ كَانَ هَؤُلاَءِ الكُفَّارُ قَدْ لَقُوا الجَزَاءَ الأَوْفَى ، الذِي يَسْتَحِقُّونَهُ عََلَى كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِم المُجْرِمَةِ ، فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا .وعن قتادة( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ) ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدّو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه:( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) أي في وسط النار، وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.وعن قتادة، قال كعب: إن بين أهل الجنة وبين أهل النار كوى، لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى غيره من أهل النار إلا فعل.وعبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ ) كان ابن عباس يقول: السور بين أهل الجنة والنار، فيفتح لأهل الجنة أبواب، فينظرون وهم على السُّرر إلى أهل النار كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، ويكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.[83]
ـــــــــــــــ
خلود أهل النار فيها
قال تعالى : {  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) } [البقرة/161-162]
إِنَّ الذِينَ كَفَروا بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، وَكَتَمُوا الحَقَّ وَلَمْ يُظْهِرُوهُ وَمَاتُوا وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الحَالِ مِنَ الكُفْرِ وَالظُّلْمِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ لَعْنََةَ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَيَكُونُ مَصِيرُهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لِيَخْلُدُوا فِيهَا أَبَداً .
وَيَبْقُونَ خَالِدينَ فِي هذِهِ الَّلعْنَةِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، وَتُصَاحِبُهُمُ الَّلعَنَةُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ شَيءٌ مِنَ العَذَابِ الذِي هُمْ فِيهِ ، وَلا يُغَيَّرُ عَنْهُمْ سَاعَة وَاحِدَة ، وَلا يُفَتَّرُ بَلْ يَكُونُ مُتَواصِلاً ، وَإِذا طَلَبُوا الإِمْهَالَ وَالتَّأْخِيرَ لَمْ يُجَابُوا إِليهِ .
 وقال تعالى : {  وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)} [آل عمران/85-88]
مَنِ ابْتَغَى دِيناً لاَ يَقُودُهُُ إلَى الإسْلاَمِ الكَامِلِ للهِ ، وَالخُضُوعِ التَّامِّ لَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، فَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ هَذا الدِّينُ ، وَيَكُونُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ، لأنَّهُ يَكُونُ قَدْ سَلَكَ طَريقاً غَيْرَ مَا شَرَعَهُ اللهُ . وَجَاءَ فِي الصَّحِيحِ : " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) .
 أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ ، ثُمَّ نَدِمَ فَأَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ أنْ اسْأَلُوا رَسُولَ اللهِ r  هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَمَا بَعْدَهَا فَعَادَ إلى الإِسْلاَمِ .
فَالذِينَ يَرْتَدُّونَ عَنِ الإِسْلاَمِ بَعْدَ أنَ تَبَّينَ لَهُمْ هُدَاهُ ، وَقَامَتَ لَدَيْهِمِ البَرَاهِينُ عَلَى صِدْقِهِ ، وَصِدْقِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ الرَّسُولُ ، كَيْفَ يَسْتَحِقُونَ الهِدَايَةَ؟ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَالِمِينَ أنْفُسَهُمْ ، الجَانِينَ عَلَيهَا ، لأَنَّهُمْ تَنَكَّبُوا عَنِ الطَّرِيقِ القَوِيمِ ، وَتَرَكُوا هِدَايَةَ العَقْلِ ، بَعْدَ أنْ ظَهَرَ نُورُ النُّبُوَّةِ ، وَعَرَفُوهُ بِالبَيِّنَاتِ . وَهَؤُلاَءِ يَسْتَحِقُونَ سَخَطَ اللهِ وَغَضَبَهُ ، وَسَخَطَ المَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ جَمِيعاً ، إِذْ أَنَّهُمْ مَتَى عَرَفُوا حَقِيقَةَ حَالِهِمْ لَعَنُوهُمْ .
وَمَنْ لَعَنَهُمُ اللهُ تَعَالَى كَانَ جَزَاؤُهُمُ العَذَابَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فِي الآخِرَةِ ، وَيَبْقَوْنَ خَالِدِينَ فِي اللَّعْنَةِ وَالعَذَابِ مَسْخُوطاً عَلَيْهِمْ إلَى الأبَدِ . وَلاَ يُفَتَّر عَنْهُمُ العَذَابُ ، وَلاَ يُخَفَّفُ سَاعَةً وَاحِدَةً ، وَلاَ يُمْهَلُونَ لِمَعْذِرَةٍ يَعْتَذِرُونَ بِهَا .
 وقال تعالى : {  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) }[النساء/168، 168]
 يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ عَلَى الكَافِرِينَ بِكِتَابِهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ r  ، الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهمْ بِذَلِكَ ، وَبِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، وَبِارْتِكَابِ المَآثِمِ ، وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِ اللهِ ، بِأنَّهُمْ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لَهُمْ ، وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً إلَى الخَيْرِ وَالرَّشَادِ ( طَرِيقاً ) . وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى : أنَّهُ لَنْ يَهْدِيَهُمْ إلى طَرِيقٍ غَيْرِ الطَّرِيقِ التِي تُوصِلُهُمْ إلى جَهَنَّمَ ، لِيَبْقَوْا فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً ، وَذَلِكَ أَمْرٌ يَسِيرٌ عَلَى اللهِ .
 وقال تعالى : {  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)} [الأنعام/128]
 وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ ، فِيمَا تَقُصُّهُ عَلى هَؤُلاَءِ ، وَتُنْذِرُهُمْ بِهِ ، مَا يَجْرِي يَوْمَ القِيَامَةِ ، يَوْمَ يَحْشُرُ اللهُ الجِنَّ وَأَوْلِيَاءَهُمْ مِنَ الإِنْسِ الذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فِي الدُّنْيا ، وَيَعُوذُونَ بِهِمْ ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى لَهُمْ : يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ إِغْوَاءِ الإِنْسِ وَإِضْلاَلِهِمْ ، فَأَوْرَدْتُمُوهُمُ النَّارَ . وَقَالَ أَوْلِيَاءُ الجِنِّ مِنَ الإِنْسِ يُجِيبُونَ اللهَ تَعَالَى : رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ، بِمَا كَانَ لِلْجِنِّ مِنَ اللذَّةِ فِي إِغْوَائِنا بِالأَبَاطِيلِ ، وَأَهْوَاءِ الأَنْفُسِ وَشَهَوَاتِهَا ، وَبِمَا كَانَ لَنَا فِي طَاعَتِهِمْ وَوَسْوَسَتِهِمْ مِنَ المُتْعَةِ ، وَاتِّبَاعِ الهَوَى ، وَالانْغَمَاسِ فِي اللَّذَّاتِ ، وَبَلَغْنَا ، بَعْدَ اسْتِمْتَاعِ بَعْضِنَا بِبَعْضٍ ، إلَى الأَجَلِ الذِي قَدَّرْتَهُ لَنَا وَهُوَ المَوْتُ ( أَوْ هُوَ يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ ) .فَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً : النَّارُ مَثْوَاكُمْ وَمَنْزِلُكُمْ ، أَنْتُمْ وَأَوْلِيَاؤُكُمْ ، مَاكِثِينَ فِيهَا سَرْمَداً ، إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يُنْقِذَهُ ، وَاللهُ حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَحُكْمِهِ ، عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُ النَّاسُ .
 وقال تعالى : {   الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) } [التوبة/67، 68]
 إِنَّ أَهْلَ النِفَاقِ رِجَالاً وَنِسَاءاً ، يَتَشَابَهُونَ فِي صِفَاتِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِفِعْلِ المُنْكَرِ ، كَالكَذِبِ وَالخِيَانَةِ ، وَإِخْلافِ الوَعْدِ ، وَنَقْضِ العَهْدِ . . وَيَنْهَوْنَ عَنْ فِعْلِ الخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ : كَالجِهَادِ ، وَبِذْلِ المَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَيَضِنُّونَ بِالإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ البِرِّ وَالطَّاعَاتِ وَالإِحْسَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ . . وَقَدْ نَسُوا أَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ ، وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ ، وَاتَّبَعُوا خُطُواتِ الشَّيْطَانِ ، فَجَازَاهُمُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ بِحِرْمَانِهِمْ مِنْ لُطْفِهِ وَتَوْفِيِقِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَمِنَ الثَّوَابِ فِي الآخِرَةِ .وَالمُنَافِقُونَ هُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ فُسُوقاً ، وَخُرُوجاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ ، وَانْسِلاَخاً مِنَ الفَضَائِلِ الفِطْريَّةِ السَّلِيمَةِ .
 وَقَدَ أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالكُفَّارِ نَارَ جَهَنَّمَ ، وَوَعَدَهُمْ بِهَا عَلَى سُوْءِ صَنِيعِهِمْ الذِي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَسَيَمْكُثُونَ فِيهَا مُخَلَّدِينَ أَبَداً ، وَلَهُمْ فِيهَا مِنَ الجَزَاءِ وَالعَذَابِ مَا يَكْفِيهِمْ ( حَسْبُهُمْ ) ، وَلَعَنَهُمْ اللهُ ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَلَهُمْ عَذَابُ مُقِيمٌ دَائِمٌ غَيْرَ عَذَابِ جَهَنَّمَ : كَالسَّمُومِ يَلْفَحَ وَجوهَهُمْ ، وَالحَمِيمِ يَصْهَرُ مَا فِي بُطُونِهِمْ .
 وقال تعالى : {   فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود/106، 107]
 أَمَّا الأَشْقِيَاءُ ، الذِينَ شَقُوا بِمَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنَ العَذَابِ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمِ السَّيِّئَةِ فِي الدُّنْيا ، فَيَصِيرُونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ، وَتَضِيقُ صُدُورُهُمْ بِثِقْلِ العَذَابِ ، فَيُصْبِحُ تَنَفُّسُهُمْ زَفِيراً ، وَأَخْذُهُمُ النَّفَسَ شَهِيقاً .
 وَيَبْقُونَ فِي النَّارِ خَالِدِينَ ، مَا دَامَتْ هُنَاكَ سَمَاوَاتٌ تُظِلُّ المَخْلُوقَاتِ ، وَأَرْضٌ يَقِفُونَ عَلَيها ، إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ، إِذْ يُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِهِ العُصَاةَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ يَمْتَنُّ عَلَى الآخَرِينَ فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَهُوَ القَادِرُ والفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ .
 وقال تعالى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) }[النحل/28، 29]
 يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الكَافِرِينَ ، الذِينَ يَسْتَحِقُونَ العَذَابَ ، هُمُ الذِينَ اسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى أَنْ جَاءَتْهُمْ مَلاَئِكَةُ المَوْتِ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِتَعْرِيضِهَا لِلْعَذَابِ المُخَلَّدِ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، يَسْتَسْلِمُونَ حِينَئِذٍ ، وَيَنْقَادُونَ حِينَ يُعَايِنُونَ العَذَابَ قَائِلِينَ : مَا كُنَّا نُشْرِكُ بِرَبِّنَا أَحَداً ، وَهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا . وَيُكَذِّبُهُمْ تَعَالَى فِيمَا يَقُولُونَ وَيَقُولُ لَهُمْ : بَلْ كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَتُشْرِكُونَ وَتَرْتَكِبُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ ، فَلاَ فَائِدَةَ اليَوْمَ مِنَ الإِنْكَارِ ، وَاللهُ مُجَازِيكُمْ بِأَفْعَالِكُمْ .
 وَيَأْمُرُهُمُ اللهُ بِدُخُولِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ لِيَبْقَوْا فِيهَا ، وَلْيَذُوقُوا أَلْوَاناً مِنَ العَذَابِ ، جَزَاءً لَهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَارْتَكَبُوا مِنَ المَعَاصِي ، وَلَبِئْسَ جَهَنَّمَ مَقِيلاً وَمَقَاماً لِلذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنِ اتِّبَاعِ الرُّسُلِ ، وَالاهْتِدَاءِ بِالآيَاتِ التِي أُنْزِلَتْ إِلَيْهِمْ .
 وقال تعالى : {  إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) } [الأحزاب/64-65]
إِنَّ اللهَ تَعَالى لَعَنَ الكَافِرِينَ ، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ كُلِّ خيرٍ ، وَطَرَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَأَعدّ لَهُم فِي الآخِرَةِ نَاراً تَتَّقِدُ وَتَتَسَعَّرُ . وَيَبْقَوْنَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ أَبَداً ، لا يَحُولُونَ عَنْهَا وَلاَ يَزُولُونَ ، وَلا يَجِدُونَ لَهُم نَاصِراً مِنْ بَأْسِ اللهَ وَعَذَابِِهِ .
 وقال تعالى : {  وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) } [الزمر/71-72]
 وَيُسَاقُ الذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ جَمَاعَاتٍ ( زُمَراً ) سَوْقاً عَنِيفاً بِزَجْرٍ وَتَهْدِيدٍ ، وَحِينَمَا يَصِلُونَ إِلَيها ، تَفْتَحُ لَهُمْ جَهَنَّمُ أَبُوَابَهَا ، وَيَقُولُ لَهُمْ حُرَاسُ جَهَنَّمَ ( خَزَنَتُهَا ) : أَلَمْ يَأْتِكُم فِي الدُّنْيَا رُسُلٌ مِن جِنْسِكُمْ يُحَذِّرُونَكُمْ مِنَ هَوْلِ هَذَا اليَوْمِ؟ فَيُجِيبُونَ مَعْتَرِفِينَ ، وَيَقُولُونَ : نَعَمْ لَقَدْ جَاءَهُمْ رُسُلٌ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَدَعَوْهُم إِلَى الإِيْمَانِ بِاللهِ والإِقْلاَعِ عَنِ الكُفْرِ . . وََلَكِنَّهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ ، وَخَالَفُوهُمْ ، وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِمْ لِمَا سََبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ والضَّلاَلَةِ ، فَعَدَلُوا بِسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ عَنِ الحَقِّ إِلَى البَاطِلِ فَاسْتَحَقُّوا هَذَا المَصِيرَ . وَحِينَئِذٍ يَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ : ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ لِتَبْقَوْا فِيهَا خَالِدِينَ أَبداً ، وَبِئْسَتْ جَهَنَّمُ مَصِيراً وَمَقِيلاً لِمَنْ كَانُوا يَتَكَبَّرُونَ فِي الدُّنْيَا بِغَيِرِ حَقٍّ ، وَيَرْفضُونَ اتِّبَاعَ الحَقِّ ، فَبِئْسَ الحَالُ ، وَبِئْسَ المَآلُ .
 وقال تعالى : {  كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)} [الحشر/16-17]
وَمَثَلُ هَؤُلاَءِ المُنَافِقِينَ الذِينَ وَعَدُوا اليَهُودَ بِالنُّصْرَةِ إِنْ قُوتِلُوا وَبِالخُرُوجِ مَعَهُمْ إِنْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ، كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ الذِي غَرَّ الإِنْسَانَ ، وَوَعَدَهُ بِالنَّصْرِ عِنْدَ الحَاجَةِ إِلَيهِ ، إِذَا أَطَاعَهُ وَكَفَرَ بِاللهِ ، فَلَمَّا احْتَاجَ الإِنْسَانُ إِليهِ ، وَطَلَبَ مِنْهُ النُّصْرَةَ ، تَبَرَّأَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ ، وَخَذَلَهُ وَتَرَكَهُ لِمَصْيرِهِ ، وَقَالَ لَهُ : إِنِّي أَخَافُ اللهَ إِنْ نَصْرْتُكَ أَنْ يُشْرِكَنِي رَبُّ العَالَمِينَ مَعَكَ فِي العَذَابِ . فَكَانَ عَاقِبَةَ الأَمْرِ بِالكُفْرِ أَنْ صَارَ الشَّيْطَانُ وَمَنْ أَغْرَاهُ بِالكُفْرِ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ، جَزَاءُ كُلِّ مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِالكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصْيَانِ
وقال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)}  [فاطر/36-37]
 أَمَّا الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ ، فَعِقَابُهُمْ سَيَكُونُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ فِيها بِمَوتٍ فَيَسْتَرِيحُوا مِنَ العَذابِ وَالآلاَمِ ، وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ وَلا يُفَتَّرُ . وَكُلَّما خَبَتْ نَارُ جَهَنَّمَ زَادَهَا اللهُ سَعِيراً ، لِيَسْتَمِرَّ عَذَابُهُم شَدِيداً أليماً . وَمِثْلُ هذا الجَزاءِ يَجْزِي اللهُ بِهِ كُلَّ كَافِرٍ بِاللهِ ، جَاحِدٍ بِأَنْعُمِهِ ، مُكَذِّبٍ لِرُسُلِهِ  ،وَفِي النَّارِ يَذُوقُ الكَافِرُونَ المُجْرِمُونَ حَرَّ النَّارِ وَلَهيبَها ، فَيَأْخَذُونَ فِي الاسْتِغَاثَةِ والاصْطِرَاخِ والضَّجِيجِ وَيَقُولونَ : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِن النَّارِ ، وَأَعِدْنا إلى الدُّنيا ، لِنَعْمَلَ صَالِحاً ، وَنَتَّبعَ الرُّسُلَ ، وَنُقْلِعَ عَمَّا كُنَّا فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي وَالإِجْرَامِ . وَلكِنَّ الله تَعَالى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إِنْ عَادُوا إِلى الدًُّنيا عَادُوا إِلى ما كَانُوا عَلَيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي ، وَلِذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيهِمْ قَائِلاً وَمُقَرِّعاً ( أَوْ تَرُدُّ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالى ) : أَلَمْ نَجْعَلْكُمْ تَعِيشُونَ فِي الدُّنيا أَعْماراً؟ وَلَوْ كُنْتُم مِمَّنْ يَنْتَفِعُونَ بِالحَقِّ لانْتَفَعْتُمْ بِهِ مَدَّةَ عُمْركُمْ في الدُّنيا . وَجَاءَكُمُ الرَّسُولُ وَمَعَهُ كِتَابٌ يُنْذِرُكُمْ بِالعِقَابِ إِنْ خَالَفْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ، وَتَرَكْتُمْ طَاعَتَهُ ، فَلَمْ تَعْتَبِرُوا ، وَلَمْ تَتَّعِظُوا ، وَلِذلِكَ فَلاَ سَبيلَ لَكُمْ إِلى الخُرُوجِ مِمَّا أَنْتُم فِيهِ مِنَ العَذَابِ ، فَذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ عِقَاباً لَكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ ومُخَالَفَتِكُمْ الأَنْبِياءَ ، وَلَنْ تَجِدُوا لَكُمْ نَاصِراً يَنْصُرُكُمْ مِنْ بأسِ اللهِ ، وَلاَ مُنْقِذاً يُنْقِذُكُمْ مِمّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذابِ .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r  - « يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ . وَلأَهْلِ النَّارِ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ »[84] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِى النَّارِ جِىءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ فَازْدَادَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ وَازْدَادَ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ »[85].
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله r : "يُجاءُ بالمَوْتِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُوقَفُ بينَ الجَنَّةِ والنَّار كأنَّه كَبْشٌ أمْلَح،ُ قال: فَيُقَالُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرئِبُّونَ وَيَنْظُرُون، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، فَيُقَالُ: يا أهْلَ النَّارِ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَشْرئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فيقُولُونَ نَعَمْ هَذَا المَوْتُ ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ، قال: فَيَقُول: يا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ ، قال: ثم قرأ رسول الله r ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) وأشار بيده في الدنيا".[86]
وعن أبي هريرة، عن النبيّ r  في هذه الآية( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال: "يُنَادَى: يَا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُونَ، فَيَنْظُرُونَ، ثُمَّ يُنَادَى: يا أهْلَ النَّار فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ، فَيُقالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ المَوْتَ ؟ قال: فَيَقُولُونَ: لا قال: فَيُجَاءُ بِالمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُقالُ: هَذَا المَوْتُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ فَيُذْبَحُ، قالَ: ثُمَّ يُنَادِي يا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ"، قال: ثم قرأ( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ).[87]
وقال ابن عباس، في قوله( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ) قال: يصور الله الموت في صورة كبش أملح، فيذبح، قال: فييأس أهل النار من الموت، فلا يرجونه، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار، وفيها أيضًا الفزع الأكبر، ويأمل أهل الجنة الموت، فلا يخشونه، وأمنوا الموت ، وهو الفزع الأكبر، لأنهم يخلدون في الجنة،[88] 
!!!!!!!!!!!!!!!


[1] - المستدرك للحاكم (3158) صحيح
[2] - المستدرك للحاكم (3686) صحيح
[3] - مصنف ابن أبي شيبة  (ج 13 / ص 155)(35266) حسن
[4] - البعث والنشور للبيهقي(533)  حسن وصحح الترمذي وقفه
[5] - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (536 ) حسن
[6] - صحيح مسلم (7349 )
[7] - مسند أحمد ( 16011) صحيح لغيره
[8] - صحيح البخارى(5787 )
وَهَذَا الْإِطْلَاق مَحْمُول عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ قَيْد الْخُيَلَاء ، فَهُوَ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ الْوَعِيد بِالِاتِّفَاقِ
[9] - المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 19)(13252 ) حسن
[10] - فتح الباري لابن حجر - (ج 16 / ص 331)
[11] - مسند أحمد(13953) حسن
[12] - تفسير( فتح القدير) للشوكاني(3/118-119)
[13] - صحيح مسلم(2203 )
[14] - صِفَةُ النَّارِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (123) حسن
[15] - صحيح البخارى(6551 ) وصحيح مسلم(7365 )
[16] - سنن الترمذى(2779 ) حسن
[17] - صحيح مسلم (7364 )
[18] - سنن الترمذى(2778) صحيح
[19] - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 531)(7486) صحيح
[20] - مسند أحمد (8567) صحيح
[21] - سنن الترمذى(2781 ) ضعيف
[22] - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (553) فيه ضعف
[23] - مسند أحمد (4904) فيه ضعف
[24] - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 346)(7349) والمستدرك للحاكم (2955) حسن
[25] - مسند أحمد (11536) حسن
[26] - المستدرك للحاكم (3630) حسن
[27] - المستدرك للحاكم(2971) حسن
[28] - مصنف ابن أبي شيبة(ج 13 / ص 162)(35287) فيه جهالة
[29] - المعجم الأوسط للطبراني(7049 ) فيه ضعف
[30] - البعث والنشور للبيهقي(564 ) والزهد لأسد بن موسى(37 ) صحيح مقطوع
[31] - صحيح مسلم(313 )
[32] - صحيح مسلم(7674)
[33] - صحيح البخارى(4623)
[34] - تفسير ابن أبي حاتم(13965) وهو معضل
[35] -  مجمع الزوائد ( 10541) رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَفِي إِسْنَادَهِ صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
[36] - المستدرك للحاكم (8734) صحيح
[37] - مسند أحمد(11398) صحيح
[38] - مجمع الزوائد ( 18628 ) رَوَاهُ الْبَزَّارُ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ .
[39] -  مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 157)(35270) صحيح
[40] - صحيح مسلم(7348)
[41] - المعجم الكبير للطبراني - (ج 19 / ص 116)(264 ) ضعيف والصحيح وقفه لكن مثله لا يقال بالرأى
[42] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 163) (35288) صحيح
[43] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 163) (35289) صحيح
[44] - صحيح مسلم(7266 )
[45] - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (524) حسن موقوف
[46] - تهذيب الآثار للطبري (2768) ودَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ(679 ) حسن
[47] - مجمع الزوائد (18636 ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ والمستدرك(3492 ) صحيح
[48] - تفسير الطبري - (ج 14 / ص 399)(14306) صحيح
[49] - سنن الترمذى(2789 ) ورجح وقفه
[50] - سنن ابن ماجه (4467 ) ضعيف
[51] - مسند أبي يعلى الموصلي(4134) ضعيف
[52] - المستدرك للحاكم(8791) صحيح
[53] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 156)(35268) صحيح
[54] - حلية الأولياء - (ج 1 / ص 1)
[55] - صحيح مسلم(536 )
[56] - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 513)(7472) صحيح
[57] - مسند أبي عوانة ( 209) صحيح
[58] - مسند أبي عوانة ( 210) صحيح
[59] - مسند أبي عوانة ( 212) و صحيح مسلم (537)
[60] - مسند أحمد (2688) صحيح
[61] - صحيح مسلم (537)
[62] - مسند أبي عوانة ( 213)  و صحيح البخارى(6561 و 6562) ومسلم (538 )
[63] - مسند أبي عوانة ( 214) و صحيح مسلم (539)
[64] - صحيح البخارى(3334 )
[65] - صحيح البخارى(6557 )
[66] - صحيح مسلم (7266 )
[67] - مسند أحمد (14010) صحيح
[68] - صحيح البخارى(6573)
[69] - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 450)(7429)  صحيح
[70] - صحيح البخارى(6571 ) وصحيح مسلم(479 )
[71] - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 382)(7378) ومسند أبي عوانة(330) صحيح
[72] - مسند أبي عوانة (337) صحيح
[73] - مسند أبي عوانة (338) صحيح
[74] - مسند أبي عوانة (339) صحيح
[75] - مسند أبي عوانة (340) صحيح
[76] - سنن الترمذى(2798) وقال : هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
[77] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 369)(35918) صحيح
[78] - تفسير الطبري - (ج 19 / ص 75) معضل
[79] - تفسير الطبري - (ج 21 / ص 48) صحيح مرسل
[80] - تفسير الطبري - (ج 21 / ص 48) صحيح مرسل
[81] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 554)(36554) صحيح مرسل
[82] - مسند أبي يعلى الموصلي(3490) والمطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني (4712 ) ضعيف
[83] - تفسير الطبري - (ج 24 / ص 304) فيه انقطاع
[84] - صحيح البخارى (6545 )
[85] - مسند أحمد(6136) صحيح
[86] - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 201) صحيح
[87] - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 202) صحيح
[88] - تفسير الطبري - (ج 18 / ص 202) حسن لغيره

إرسال تعليق

Emoticon
:) :)) ;(( :-) =)) ;( ;-( :d :-d @-) :p :o :>) (o) [-( :-? (p) :-s (m) 8-) :-t :-b b-( :-# =p~ $-) (b) (f) x-) (k) (h) (c) cheer
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.

 
Top